الفيزياء والفلك > فيزياء

خطوة جديدة على طريق جعل الحاسب الكمومي واقعاً

اضغط زر التشغيل، شغل الشاشة، أمسك فنجان القهوة واستعد للانطلاق. هذا ما يفعله معظمنا تمهيدا للعمل على الحاسب . إلا أن الأمر مختلف في الحاسوب الكمومي. حتى الآن يقضي الباحثون ساعات طويلة للقيام بعشرات التعديلات لاعداد رقاقة تحوي خمس بتات كمومية فقط فضلاً عن اجراء معايرة دقيقة قبل المباشرة بالعمل و ذلك لاستخدام الرقاقة في العمل التجريبي (البت الكمومي يكافئ البت العادي في الكمبيوتر التقليدي). ولو حدث أي خطأ صغير أثناء التعديل أو اجراء المعايرة فإن الرقاقة لن تعمل .في محاولة جديدة استطاع فيزيائيون ايجاد طريقة لحل المشكلة ،قبل التعرف على هذه الطريقة لا بد من شرح ألية عمل الكمبيوتر الكمومي :

تقتضي قوانين ميكانيك الكم أنه يمكن لجسيم سواء كان ذرة أو الكترون أو فوتون أن يكون في حالتين كموميتين في نفس الوقت ونقول عنه حينها أنه في حالة تراكب. في الكمبيوتر التقليدي بمكن التعبير عن المعلومات بالبتات (bits) حيث كل بت يقابل إما 1أو 0 . بالمقابل في الحاسوب الكمي نعبر عن المعلومات بما يسمى البت الكمومي ('qubits') حيث كل كيوبت يمكن أن يكون 0 أو 1 أو كليهما معاً وهذا ما عنيناه بحالة التراكب.

إحدى طرق تصنيع الحاسوب الكمومي هي باستخدام وحدة ذاكرة تتألف من ذرات يمكن التحكم بحالتها الكمومية والتلاعب بها عن طريق ضوء ليزر . عندئذ يمكن إجراء العمليات الحاسوبية في الوقت نفسه (على التوازي) على كلا جزأي حالة التراكب (0 و 1) فكل كيوبت يستطيع القيام بعمليتين حسابيتين في الوقت نفسه. ففي الوقت الذي يستغرقه حاسوب الـ32 بيت التقليدي لمعالجة حالة واحدة من أصل 232 حالة ممكنة ، يكون الحاسوب الكمومي قد عالج كل تلك الحالات على التوازي. و بالتالي يمكن للحاسوب الكمومي إجراء العديد من أوامر العمليات الحاسوبية بشكل أسرع من الكمبيوتر التقليدي . على أي حال فإنه لا يمكن استخدام طاقة الحاسوب الكمي إلا من أجل مسائل خاصة و التي وضعت من أجلها خوارزميات كمومية مناسبة.

تتميز حالة التراكب هذه بحساسية عالية لأي تفاعل مع الوسط المحيط بها و بالتالي تفقد بسرعة خواصها الكمومية . و هذا يعني بذل جهد كبير لحمايته دارات الكومبيوتر الكمومي من التأثيرات المحيطة. و يجري استغلال هذه الحساسية العالية للعوامل المحيطة في مجال تقني كمومي آخر كمجال الاتصالات مثلا. يمكن ترميز المعلومات السرية على شكل حالات متشابكة أو متراكبة. فبالتالي لو سعى شخص ما للحصول على هذه المعلومات فإنه سيدمر حالة التراكب الكمومية و بالتالي يتم اكتشاف محاولة التنصت .

في حالة الحاسوب الكمومي يعتبر هذا الأمر عقبة كبيرة ويجب حلها ، فأي تغيير بسيط يحدث في البيئة المحيطة نجد أن الحاسوب الكمي يتفاعل معه . فمثلا لو حدث ارتفاع أو انخفاض بسيط جداً في درجة الحرارة أو سواء ازداد ضغط الهواء المحيط أو نقص بشكل بسيط عن اليوم السابق فإن شبكة العمل المعقدة من البتات الكمومية لن تعمل. (اي يجب أن يعاد تعديل وضبط الحاسوب قبل استخدامه) . سابقاّ كان يتوجب على علماء الفيزياء الكمومية التجريبين مراقبة هذه التغييرات يومياً و مقارنتها مع اليوم السابق. ثم يجب عليهم بعدها إعادة قياس كل معامل (درجة حرارة ضغط .. الخ) و إعادة معايرة الرقاقة بدقة فائقة، حيث يسمح فقط بنسبة خطأ صغيرة جدا، أقل من 0.1 في المئة عند قياس الظروف المحيطة . و يفسر البروفيسور فرانك فيلهيلم ماوش أستاذ في الفيزياء الكمومية النظرية و فيزياء الحالةالصلبة في جامعة سارلاند هذه الحساسية العالية بقوله " أي يمكن أن يحدث خطأ واحد فقط في كل ألف قياس ، فاذا أصبح الخطأ اثنان في كل ألف قياس فإن البرنامج لن يصحح هذه الاخطاء و الحاسوب الكمي لن يعمل بشكل صحيح." وبوجود حوالي 50 معامل مختلف (يجب ضبطها) يمكننا أن نتخيل الجهد الهائل في معايرة الحاسوب الكمومي.

بدأ ويلهم مع طالبه بايجاد حل لهذه المشكلة. " لقد سالنا أنفسنا هذا السؤال : لماذا من الضروري يوميا معرفة كيف تتغير ظروف القياس عن اليوم السابق؟ و الجواب كان في نهاية المطاف أنه لا ضرورة لذلك . الشيء المهم هو أن تعطي اعدادات اجراء التجربة نتائج صحيحة أما سبب إعطائها نتائج صحيحة فليس له أهمية ." و كان ذلك النهج العملي الذي قامت على أساسه أعمال فرانك وطالبه. ويتابع فرانك قوله " و لإجراء المعايرة استخدمنا خوارزمية من الرياضيات الهندسية، و بمعنى أدق للكلمة كانت الخوارزمية من مجال الهندسة المدنية و الانشائية (يهتم هذا الفرع بتصميم المنشآت أخذين بعين الاعتبار تأثيرات البيئة المحيطة من ظروف طقس ورياح.. الخ)، كون التجارب في هذا المجال تعد أيضا أمرا مكلفاً ."

و باستخدام هذه التقنية تمكن الفيزيائيان النظريان من تقليل نسبة خطأ المعايرة إلى ما دون عتبة الـ 0.1 في المئة ، كما تمكنوا من زيادة سرعة عملية المعايرة لتستغرق فقط خمس دقائق بدلا من 6 ساعات.

و يعد هذا التطور ذو أهمية كبيرة للأبحاث التجريبية على الحاسوب الكمي في المستقبل. فلن يحتاج الفيزيائيون لقضاء ساعات طويلة كل يوم في مختبرات الحوسبة الكمومية لتحضير تلك الأجهزة و التي قد تعمل لفترة قصيرة. حتى الأن لم تسمح القيود التقنية الا باجراء تجارب على رقاقة واحدة فيها خمس بتات كمومية لجعلها تقوم بالعمليات الحاسوبية الفعلية . بالمقابل الطريقة الجديدة لا تقتصر على رقاقة بهذا الحجم،بل يمكن تطبيقها على معالجات كمومية من أي حجم تقريباً. و يشير البروفيسور فرانك مازحاً إلى ميزة أخرى في المنهجية الجديدة فيقول " خلافاً للطريقة القديمة في المعايرة التقليدية فإن الطريقة الجديدة تتم كلها آليأً. حيث يمكن للباحث أن يضغط زر التشغيل مثل الكمبيوتر التقليدي ومن ثم يعد فنجاناً من القهوة بنفسه بينما يقلع الكمبيوتر الكمي " بالفعل تحسنت كثيرا حياة علماء البحوث التجريبية العاملين بهذا المجال" .

المصدر: هنا