التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

كيف دمّر الناعور سُلالة

يعتبر البريطانيون الملكة فيكتوريا أعظم ملكات أوروبا في العصر الحديث، لما يتميز به عهدها من نهضة وقوة سياسية واقتصادية وعلمية، حيث حكمت لفترةٍ زادت على 64 سنة، ويُعزى لها الكثير من الفضل في نهضة بريطانيا العلمية، إلا أن أعمالها التي امتدت خارج أسوار المملكة المتحدة أسقطت عائلتين ملكيّتين على غفلةٍ من الناس! إذ يبدوا أنها كانت ترمي إلى السيطرة على أوروبا من خلال تزويجها لثمانية من أبنائها التسعة بعائلات ملكية أوروبية، ولكن التحقيقات مؤخراً أثبتت وجود مرضٍ خطيرٍ كانت تحمله جدة أوروبا في خفايا جيناتها، للتعرف أكثر على هذه الحادثة إليكم هذا المقال..

تحظى أعظم ملكات بريطانيا بكمٍ وافرٍ من الاحترام في كل الدنيا، تلكَ المرأةُ ذاتُ القوَّةِ الصارمة التي حبست أنفاس العالم خلال 64 عاماً من القوة والتحكم، ويعتبر عصرها من أقوى عصور التاج البريطاني، ولم يأتِ على المملكة بمثل دهائها وحكمتها من قبلُ ولا من بعد.

صامتةٌ في كل صورها، جافةٌ وغاضبةٌ في نظراتها، تحمل في طيّات عينيها الزرقاوين ووجهها الشاحب كثيراً من الغضب والسطوة والتحكم، ومرضاً خطيراً هلك على إثرهِ أكثر من 8 من ذريتها.

"جدة أوروبا" هكذا سمّاها قدرها، أمّا أن تكون أُمَّاً لتسعة أبناءٍ ثمانيةٌ منهم سيتزوجون بعائلات ملكية أوروبية، زواجاً سياسياً، فهذا ما كانت ترنوا إليه في خُلدها أو هذا ما بدى لنا من تصرفها، فتلك عادةٌ قديمة لدى ملوك العصر الوسيط من أجل مدّ السيطرة إلى شعوب الدول الأخرى أو لربما لبناء السلام بعد الحروب أو لأسبابٍ كُثُرٍ غيرها، إلا أن جدّة أوروبا أحيت تلك العادة القديمة بعد زهاء 400 سنة من انتهاء العصر الوسيط؛ حيث ،بالنسبة لبناتها، تزوّجت فيكتوريا (ابنتها الأكبر) من أمير بروسيا وولي عهد وملك ألمانيا لاحقاً، آليس تزوجت من فريدريك أمير هيس في ألمانيا وأنجبت أليكس التي تزوجت من آخر قياصرة روسيا وهلكت معه إبان الثروة البرشفية، هلينا تزوجت ملك الدنمارك المسيحية، لويزي تزوجت دوق أراجيل، وباتريس تزوجت الأمير هنري من باتنبرج، وأنجبت فيكتوريا التي أصبحت زوجة الملك ألفونسو الثالث عشر ملك إسبانيا الأخير قبل الثور الإسبانية، وجدّة الملك خوان كارلوس الذي تم تنصيبه ملكاً سنة 1975.

وبالنسبة لأولادها، ابنها آلبرت إدوارد شغل مناصب متعددة بين الإمارات المختلفة من ويلز وأدنبره وكرون وول، ومن سلالته تنحدر الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا العظمى، تزوج من الأميرة ألكسندرا ملكة الدنمارك وابنته مود أصبحت ملكة النرويج، ألفرد تزوج من ألكسندروفا ابنة الامبراطور الروسي الكسندر الثاني، آرثر تزوج من أميرة بروسيا لويزي مارجريت وأنجب ابنته مارجريت التي تزوجت من جوستاف أدولف ملك السويد، وليوبولد تزوج من الأميرة هلينا من بروسيا.

كل تلك المخططات من أجل السيطرة على أوروبا بائت بالفشل الذريع، حيث كانت تحمل في مورثاتها أحد أخطر الأمراض الوراثية على الإطلاق، ألا وهو مرض الناعور من الفئة ب، الذي انتقل لجميع أحفادها من بعدها بين مُصابٍ وحاملٍ للمرض.

الخريطة التالية توضع تمام أفراد العائلة وإصابتهم في هذا المرض:

كتنويهٍ يجب علينا التذكير بأن لكل خلية عند الإناث الصيغة الصبغية 44 صبغياً جسمياً + صبغيّان جنسيان XX، وعند الذكور؛ 44 صبغيّاً جسمياً + صبغيّان جنسيان XY، ومرض الناعور مرضٌ وراثيٌ ينتقل محمولاً على الصبغي الجنسي X، وغاية ما يسببه من ضررٍ هو عجز الجسم عن تشكيل الخثرات الدموية وبالتالي لا تلتئم الجروح، ولأن لدى النساء صبغيان جنسيان XX، فإذا كان أحدهما سليماً تظهر صفة السلامة عليها إلا أنها حاملةٌ للمرض وقد تنقله لأبنائها، أما الذكر ولأن لديه صبغياً جنسياً واحداً من النمط X فهو إما مصاب أو سليم، ومن الجدير بالذكر أن الإناث المصابات بالناعور (حيث يكون لديهم الصبغيان الجنسيان من النمط X مصابان) غير موجودات! فحتى لو وصلنَ لسن البلوغ يَمُتنَ عند أول طمث (الدورية الشهرية) بسبب استمرار النزيف وعدم التئام الجرح.

الناعور من الفئة ب أحد أنواع الناعور وناتجٌ أيضاً عن طفرة وراثية، ولم تُسجل أي إصابة في هذا المرض سابقا في ذكور عائلة الملكة فيكتوريا، لكن ربما كان نتيجةَ كونها سليلةَ عائلةٍ ملكية، ومن المعروف لدى المؤرخين أن العائلات الملكية تكثر فيها الأمراض الوراثية نتيجة سعيها للحفاظ على نقاء دمائها من خلال زواج الأقارب الكثير مما يزيد بشكلٍ كبيرٍ جداً من احتمالات ظهور الأمراض الوراثية، وقد سجلت إحصائيات القرن التاسع عشر والقرن العشرين معدلات أعمار وبقاء منخفضة جداً للمصابين بهذا المرض.

ومن بين المصابين من سُلالة جدّة أوروبا:

الأمير ليوبولد: ابن الملكة فيكتوريا، توفي في 28 أيار 1884

الأمير فريدريك أمير هيس، حفيد الملكة، توفي في 29 أيار 1873

اللورد ليوبولد مونتباتان، حفيد الملكة، توفي في 23 نيسان 1922

الأمير هنريك فريدريك أمير بورسيا، حفيد ابن الملكة، توفي في 26 شباط 1904

الأمير روبيرت، حفيد ابن الملكة توفي في 15 نيسان 1928

الأمير إفينتي جونزالو الإسباني، حفيد ابن الملكة توفي في 13 آب 1934

ألفونسو أمير أستوريس الإسباني، حفيد ابن الملكة، توفي في 6 أيلول 1938

الأمير فلاديمير من بروسيا، 2 أيار 1945

رفضت الملكة فيكتوريا طيلة حياتها الاعتراف بأنها كانت تحمل هذا المورث أو أنها نقلته إلى أبنائها، لتتكتم عن الأمر طيلة تلك الفترة، فيما سمتها العائلات الملكية الأوروبية "بالآفة الإنجليزية"، وبسبب تلك الآفة يمكن القول أن الملكة فيكتوريا مسؤولة وراثياً عن إسقاط عائلتين من كبرى العائلات الأوروبية الحاكمة وهي سلالة ملوك بروسيا، وسلالة ملوك إسبانية والتي نقلت إليهما المرض عن طريق ابنتيها هيلينا وباتريس.

المصادر:

مراجع:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا