الطب > مقالات طبية

تفاقم انتشار الإيبولا: حقائق وأرقام

إنّ التفشي الأخطر في التاريخ المسجل لمرض الإيبولا لا يزال مستمراً. وقد أكدت الحكومة الليبيرية نهاية الشهر الماضي (تموز/يوليو 2014) وفاة الطبيب الليبيري "صموئيل بريسبان" والذي كان يعمل في مكافحة هذا المرض. وهذا ما يجعله الطبيب الليبيري الاول الذي يتوفى جراء هذا التفشي الحالي.

إضافة الى ذلك فان طبيباً أميريكياً يُدعى "كينت برانتلي" كان قد أُصيب أيضاً بعدوى هذا المرض. حيث كان يعمل لدى منظمة المساعدة الأميركية في ليبيريا، وقد تم علاجه و نقله إلى مستشفى إيموري الجامعي في أتلانتا. وهو الآن بحالة مستقرة.

وكانت هذه الأنباء قد وردت بعد أيام فقط من إعلان أنّ الطبيب الأعلى المسؤول عن متابعة مرض الإيبولا في سيراليون واسمه "شيخ عمر خان" قد أُصيب بالعدوى أيضاً. وأُعلنت وفاته لاحقاً.

إن وفاة الطبيبين بريسبان وعمر خان لَهِيَ ضربةٌ موجعةٌ ومؤسفة في معركة طويلة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

ليبيريا هي واحدة من عدة بلدان تكافح هذا التفشّي غير المسبوق للمرض؛ سواء بعدد الحالات أو من حيث النطاق الجغرافي. لقد انتشر هذا المرض حتى الآن في أربعة بلدان هي سيراليون وغينيا وليبيريا، ونيجيريا التى شهدت أول حالة بعد أن سافر رجل مصاب بالمرض بالطائرة الى مدينة لاغوس النيجيرية، وهي أكبر مدن افريقيا. كما أنّ هناك مخاوف من أن المرض قد انتشر أيضاً في "توغو"، حيث كانت محطة توقف خلال رحلة هذا الرجل المصاب.

إنّ هذا الڤيروس - الذي تُشبه أعراضه في البداية أعراض مرض الانفلونزا، وتنتهي بنزيف حاد- كان حتّى 13 آب/أغسطس قد أصاب 1975 شخصاً في كل من سييراليون وغينيا وليبيريا ونيجيريا. وقتل ما يقارب من 1069 منذ الشتاء الاخير، وذلك وفقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية.

الإيبولا هو مرض نادر جداً وقاتل للغاية. فمنذ تفشّيه للمرة الاولى عام 1976 في زائير والسودان، أصاب هذا الڤيروس آلاف الناس، وقتل واحداً من بين كل 3 اشخاص؛ أي ثلث عدد المصابين. وتكمن الخطورة في أن الأعراض قد تظهر بسرعة كبيرة، وتسبّب الموت سريعاً.

ولكنّ السؤال هو لماذا يسبب الإيبولا كل هذه الأضرار الآن؟ فلنُلقِ نظرة تمهيدية على ما يحدث الآن:

لماذا عاد مرض الإيبولا إلى صدارة الأخبار مجدداً؟

يبدو أن هذا المرض يميل للظهور والاختفاء بين الفينة والأخرى. حيث أن الڤيروسات تنتشر باستمرار بين الحيوانات، وعلى الاغلب في الخفافيش تحديداً. وبين الحين والآخر، ينتقل المرض إلى البشر، غالباً كنتيجة للاحتكاك بالحيوانات المصابة، أو عند أكل لحم نيء أو غير مطبوخ جيداً لقرد أو خفاش مُصاب. عندها يحدث تفشي للمرض لعدة أشهر، يختفي بعدها المرض مرة اخرى.

وقد تختفي الإيبولا بشكل كامل بين البشر لعدة سنوات. فعلى سبيل المثال، لم تُسجّل أي حالة إصابة بإيبولا في عامي 2005 أو 2006.

أين يتمركز تفشي مرض الإيبولا حالياً؟

بدأ تفشي المرض في غينيا في وقت ما في أواخر 2013 أو بدايات 2014. ومنذ ذلك الوقت، انتشر المرض إلى سيراليون وليبيريا بما في ذلك بعض العواصم الكبرى. وتُعدّ هذه المرة الأولى التي يصل فيها الڤيروس إلى عاصمة دولةٍ ما.

لِمَ يُعدّ الانتشار الحالي للمرض قاتلاً جداً؟

أولاً، يتعلّق هذا التفشي بالڤيروس الأكثر فتكاً بين ڤيروسات الإيبولا الخمسة، وهو Zaire Ebolavirus، والذي قتل 79% من المصابين به خلال جميع التفشيات السابقة للمرض، وحتى الآن.

هناك أيضاً عوامل سياسية واجتماعية تساهم بهذه الكارثة. وباعتبار أنه الانتشار الأول للإيبولا في غرب افريقيا، فإن الكثير من العاملين بمجال الصحة لم تكن لديهم الخبرة أو التدريب الكافيين للوقاية و حماية أنفسهم، عدا عن حماية المرضى الذين أصيبوا به.

وما هو أسوأ من ذلك، أنّ الناس في هذه البلدان يميلون للسفر أكثر من سكّان تلك البلدان التي يتفشى فيها المرض عادة، أي بلدان وسط أفريقيا. وهذا قد يكون عاملاً مساعداً للڤيروس على الانتشار جغرافياً بشكل أكبر، ويجعل من الصعب تعقّب الاشخاص الذين من الممكن أن يكونوا مصابين.

في الوقت نفسه، يبدو أن الوصمات الاجتماعية ونقص الوعي الصحي قد ساهما في جعل الناس تتجنّب اللجوء إلى العناية الطبية، أو السعي إلى العلاج. إضافةً إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يتواصلون مباشرةً مع جثث الضحايا خلال الجنازات أو خلال التحضيرات للدفن، يصبحون عرضة أكثر للإًصابة بالمرض، وبالتالي المساهمة أكثر في انتشاره.

أشار تقييم لمنظمة الصحة العالمية في ليبيريا إلى مشاكل في تعقّب المرضى، وكل من تواصل معهم من الأشخاص الآخرين. كما سلّط هذا البيان الضوء على مشكلة استمرار الإنكار في المجتمع، والتدابير غير الكافية للسيطرة على انتشار المرض.

في 23 حزيران/يونيو، أرسلت مجموعةٌ من منظمة "أطباء بلا حدود" نداء استغاثة، باعتبارها منظمة الإغاثة الوحيدة التي تعالج الأشخاص المصابين بإيبولا. وقالت المجموعة أن الانتشار طغى على جهودها، وأن الوباء كان خارج نطاق السيطرة، وأنه لا يمكن إرسال العاملين إلى مواقع جديدة دون الحصول على موارد جديدة.

من جوانب عدّة، فإن قدرة أي دولة على التعامل مع تفشي إيبولا تعتمد على نوعيّة السلوكيات والممارسات المتعلقة بالصحة العامة في المجتمع، إضافةً إلى الوعي الصحي والتعليم المنتشرين بين الأفراد. إلاّ أن هذه البلدان مازالت تعاني في هذه النواحي.

هل حقاً يجعل الإيبولا المرضى ينزفون من أعينهم؟

نعم، فالنّزيف من الفوّهات هو واحد من أكثر اﻷعراض المميزة للمصابين بحمى نزف ڤيروسي (ومنها اﻹيبولا). وفي مراحل لاحقة، قد تسوء حالة المريض بحيث ينزف من العينين والأنف والأذنين والفم والشرج.

العلامات اﻷخرى مثل الحمّى وألم الرأس، ومن ثم الغثيان والتقيؤ، هي علامات لعدة أمراض أخرى أيضاً ولا تُعتبر أعراضاً نوعية. لذلك يبقى النزيف الخارجي هو أهم الأعراض للتعرف على المصابين بالإيبولا.

إلا أن هذا النزيف قد لا يحدث عند جميع مرضى اﻹيبولا. وكمثال على ذلك، عند انتشار المرض عام 1995، وُجد أنه 41%من الحالات فقط عانى فيها المرضى من نزيف خارجي.

وبالمناسبة: النزيف لا يُعد مؤشراً لاقتراب موت المصاب باﻹيبولا! فما يقتل المريض حقاً هي الصدمة (هبوط في الدورة الدموية) الناجمة عن فشل عدة أعضاء حيويّة كالكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي.

ما الذي يجعل الإيبولا مميتة؟

أحد العوامل الرئيسية هي أن ڤيروس الإيبولا قادر على التهرّب من الجهاز المناعي لجسم الإنسان. إضافةً إلى تقهقر في تعداد خلايا الدم البيضاء.

ما مدى احتمالية اﻹصابة باﻹيبولا ؟

الإيبولا ڤيروس من الصعب التقاطه نسبياً، بخلاف الحصبة أو الانفلونزا، وهو لا ينتشر في الهواء. ولحدوث العدوى يجب حدوث اتصال مع سوائل الجسم (الدم أو العرق أو البول أو المني أو اللعاب) من إنسان أو حيوان مصاب، وبغضّ النظر عن كونه حياً أو ميتاً.

وقد يلتقطه الإنسان بشكل غير مباشر عبر المعدّات والأدوات الطبية الملوّثة.

قدرة الڤيروس المحدودة على الانتقال تجعل بالإمكان إيقاف انتشار الڤيروس خلال أشهر أو حتى أسابيع. ويكون ذلك من خلال التثقيف الصحي للمجتمع، وإجراءات العناية الصحية كعزل المرضى والتعقيم واستخدام الكمّامات والقفازات الطبية.

ما هي فرص انتشار المرض في الولايات المتحدة ؟

إن محدودية قدرة انتقال هذا الڤيروس من شخص لآخر تقلل كثيراً من خطر الانتشار عبر القارات. لذلك فالولايات المتحدة ليست في خطر حقيقي لانتشار الإيبولا ضمنها.

المصادر:

هنا

هنا

مصدر الصورة:

JOHN SPINK