الطبيعة والعلوم البيئية > الطاقات المتجددة

عالم قائم على الطاقة المتجددة فقط! كيف يمكن تحقيقه؟

لسنا بحاجة إلى طاقة نووية، فحم أو حتى إلى وقود حيوي، إذ يمكن أن نحصل على 100% من الطاقة التي نحتاجها من الرياح والمياه والشمس، يمكننا فعل ذلك بكفاءة وبشكل موثوق به، بأمان، باستدامة وبشكل مجدي اقتصادياً. يمكننا فعل ذلك ببساطة عن طريق بناء الكثير من الأنظمة الجديدة لإنتاج ونقل واستخدام الطاقة.

يشمل السيناريو الذي وضعه أستاذ الهندسة البروفيسور مارك جاكوبسون للعام 2030 إنشاء ما يلي:

3.8 مليون توربين رياح وبـ 5 ميغا واط لكل منها ستوفر 50% من إجمالي الطلب العالمي المتوقع؛

49 ألف وحدة طاقة حرارية شمسية وبـ 300 ميغاواط لكل منها ستوفر 20%؛

40 ألف وحدة كهروضوئية توفر 14%؛

1.7 مليار نظام شمسي كهرضوئي تركب على الأسطح بـ 3 كيلو واط لكل منها ستوفر 6%؛

5350 وحدة توليد طاقة من الحرارة الأرضية بـ 100 ميغا واط لكل منها سيوفر 4%؛

900 وحدة توليد طاقة كهرومائية بـ 1300 ميغا واط لكل منها سيوفر 4% (علماً أن 70% منها موجود حالياً)؛

720 ألف جهاز لأمواج المحيطات بـ 0.75 ميغا واط لكل منها سيوفر 1%؛

490 ألف توربين للمد والجزر بـ 1 ميغاواط لكل منها سيوفر 1%.

ليس ذلك فقط ما سنحتاجه بل سنحتاج أيضاً إلى توسع كبير في البنية التحتية من خلال إنشاء شبكات ضخمة (شبكات السوبر) (supergrid) تمتدة إلى العديد من المناطق والدول بل والقارات. نحن بحاجة أيضاً إلى توسيع إنتاج السيارات العاملة بالبطاريات الكهربائية والوقود الهيدروجيني بالإضافة إلى السفن التي تعمل بخلايا الهيدروجين والبطاريات معاً أما الطائرات فيجب أن تعتمد على الهيدروجين المسال. علينا تبني المضخات العاملة بطاقة الرياح أو طاقة الحرارة الأرضية، ووشائع المقاومات الكهربائية للتدفئة والهيدروجين للعمليات التي تتطلب حرارة عالية.

باختصار هو نظام قائم على الرياح، المياه والشمس ولنسمه /ر م ش/. لجعل هذا النظام عالمياً، فنحن بحاجة لخفض الطلب على الطاقة من خلال زيادة كفاءة الأجهزة التي تتطلبها أو باستبدال الأنشطة والتكنولوجيا ذات الطلب العالي للطاقة بتلك منخفضة الطلب كالعمل بالتواصل عن بعد بدلاً من القيادة المباشرة لأماكن العمل مثالاً.

بما أن الانتشار المكثف لـ /ر م ش/ يتطلب توسعاً وترقية للشبكات الذكية بالإضافة للسيارات العاملة بالبطاريات والوقود الهيدروجيني فإن الحكومات ستكون مطالبةً بإعداد وتمويل خطة موضوعة بعناية وطويلة الأمد لإعادة هيكلة نقل وتوزيع الكهرباء بالإضافة إلى الحاجة إلى التنسيق والتعاون الدولي لكون بعض البلدان ليست كبيرة جغرافياً بما يكفي لتأمين التوازن بين كثافة الطاقة الشمسية وتقلبات الرياح.

يقترح مشروع ديزيرتيك Desertec استخدام شبكات السوبر لربط أوروبا بشمال أفريقيا حيث بدأت 10 من دول شمال أوروبا بالتخطيط فعلاً لشبكات السوبر هذه والتي ستنقل طاقة الرياح في البحار الشمالية. ستحتاج روسيا، آسيا عموماً وجنوب شرق آسيا خصوصاً بالإضافة إلى الصين ، أفريقيا، الشرق الأوسط، الأمريكيتين وأستراليا لشبكات سوبر كذلك.

على الرغم من أن هذا المشروع هائل إلا أنه ليس من المطلوب أن يتم بين عشية وضحاها فالأمثلة التاريخية على نجاح البنى التحتية واسعة النطاق والمشاريع الهندسية والصناعية كثيرة.

حولت الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية خط إنتاج العديد من منشآت صناعة السيارات لإنتاج أكثر من 300 ألف طائرة في حين كانت بقية دول العالم قادرة على إنتاج 500 ألف طائرة. أيضاً بدأ العمل في 1956 لإنشاء أكبر نظام طرق سريعة في الولايات المتحدة وها هو اليوم يفوق الـ 75 ألف كيلومتر طولاً. برنامج أبولو Apollo الذي أوصل الإنسان إلى سطح القمر في أقل من 10 سنوات أيضاً وغير ذلك الكثير من الأمثلة التي قد تختلف اقتصادياً وسياسياً وفنياً إلا أنها تبرهن على أن التحول الكامل واسع النطاق لنظام الطاقة ليس عقبة بحد ذاته.

ماذا عن الميزات التي يقدمها نظام /ر م ش/ الجديد؟

1- الكفاءة والموثوقية:

إذ يمكن وضعها في كل مكان بالعالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية وستوفر ما يفوق الطلب العالمي المتوقع في 2030 لجميع الأغراض بالإضافة إلى أن الطلب على الكهرباء سيقل لكون المحركات الكهربائية تخسر طاقة أقل بشكل حراري من محركات الاحتراق. أما عن الموثوقية فصحيح أنه من غير الممكن التأكد من أن محطة رياح أو طاقة شمسية ستلبي حاجة منطقة ما، إلا أن الأمر ذاته صحيح لمحطة منفردة لحرق الفحم أو الطاقة النووية. على أية حال يجب مواجهة التقلبات الحاصلة في الطلب على الطاقة وتقلبات توافرها من الرياح والمياه والشمس بإيلاء اهتمام أكبر لتنبؤات الطقس بالإضافة لربط الموارد على نطاق واسع وتخزين الطاقة في المساكن وبطاريات السيارات.

2- الاقتصادية والأمان:

تكلفة توليد الكهرباء من الرياح البرية أقل من تكلفة توليدها من الوقود الأحفوري ومن المرجح أن يكلف الكيلو واط الساعي 5 سنتات (دولار أمريكي) في المستقبل مشمولاً بذلك تكلفة رأس المال والأرض. إذا فكرنا خارج الصندوق فسنجد أيضاً أن /ر م ش/ سيوفر تكاليف الأضرار الصحية الناتجة عن التلوث. أما عن تكلفة نقل وإدارة الطاقة والتكاليف الإنشائية واسعة النطاق والحاجة للتنبؤ بالطقس فسيضيف ذلك سنتين اثنين (0.02 دولار أمريكي) لكل كيلو واط ساعي علماً أن نقل الطاقة لمسافات طويلة بالطرق التقليدية الحالية يكلف الآن في الولايات المتحدة سنتاً واحداً لكل كيلو واط ساعي.

ليس لدينا ما يدعو للقلق حول تكاليف البناء لأن المواد اللازمة من خرسانة وصلب متوفرة وقابلة لإعادة التدوير لكن فيما يتعلق بالليثيوم (المستخدم في البطاريات) و البلاتين (في خلايا الوقود) والفضة (في النظم الكهرضوئية المختلفة) فسيلزم إما إعادة تدويرها أو استبدالها بمواد أقل ندرة.

إن /ر م ش/ نظام مستدام وآمن على الحياة البرية والنظم الطبيعية ولا يسبب أي انبعاث لغازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء. أضف إلى أن توافرها اللامحدود سينهي الحروب على الطاقة ومشاكل التخلص من النفايات وما يترتب عليه من كوارث طبيعية. لن ينافس النظام الجديد الزراعة على الأراضي المتوفرة بل سيحتاج فقط إلى 0.74% من مساحة اليابسة في العالم بل إنه سيوفر المزيد من الأراضي عند إلغاء تلك المخصصة لإنتاج الوقود الحيوي.

أما عن العقبات التي تحتاج إلى حل قبل البدء بهذا المشروع فهي اجتماعية وسياسية أكثر منها تقنية وتتضمن:

- إيجاد التصميم الأمثل لشبكة السوبر والذي يقلل خسائر النقل والتوليد ويوفر في الوقت نفسه ربط مناطق شاسعة لتلافي تقلبات المناخ.

- وضع سياسات جديدة لتطوير النظام الجديد على نطاق واسع متضمناً التكاليف الجمركية لنقل الطاقة وأسعار الجملة، إعانات الاستثمار وضرائب الكربون والأضرار البيئية المترتبة.

يتوقع أن يتم تحويل 25% من نظام الطاقة الحالي إلى /ر م ش/ في السنوات الـ 10 - 15 القادمة و85% خلال السنوات الـ 20 - 30 القادمة على أن يتم التحول الكامل في العام 2050، فقط إذا توفرت السياسات العقلانية ذات القاعدة الواسعة والرغبة الاجتماعية في التغيير.