الفنون البصرية > فن وتراث

هل كانت غالبيّة الفنانين الأوائل نساءً؟

هل كانت غالبيّة الفنانين الأوائل نساءً؟

وجد علماء الآثار مئاتٍ من طبعات الأيدي على جدران الكهوف في أنحاء العالم. وكان العديد من اللوحات القديمة يسلّط الضّوء أيضاً على حيواناتٍ كالثّور والرّنّة والخيول والماموث الصّوفيّ، التي اقترح العديد من الباحثين أنْ تمّ رسمها من قبل الصّيّادين الرّجال، فلعلّهم كانوا يسجّلون صيدهم بالرّسوم على أنّه نوعٌ من شغف الصّيد أو لتحسين نتائجه في المرّات المقبلة. في معظم المجتمعات البدائيّة، الرّجال هم من يتولّون الصيد، أمّا النّساء فغالباً ما يأخذن اللّحوم عائداتٍ به إلى المسكن، فقد كانت المرأة تُعنَى بإنتاجيّة الصّيد كما الرّجل.

عالم الآثار "ديان سنو" من جامعة ولاية بنسلفانيا بدأ دراسته حول ذلك منذ أكثر من عقد من الزّمن عندما صادف عالمَ الأحياء البريطاني "جون مانينغ" الّذي وجد أنّ الرّجل والمرأة يختلفان فيما بينهما في الأطوال النّسبيّة لأصابعهما، حيث أنّ للبنصر والسبابة لدى المرأة نفس الطّول تقريباً، في حين أنّ إصبع البنصر عند الرّجل تميل لكونها أطول من السّبّابة. وهكذا فإنّ "سنو" قد تبيّن أنّ طبعات الأيدي في كهف "Pech Merle" الشّهير في جنوب فرنسا كانت بمعظمها لأيدي نساء.

وعندها أنشأ "سنو" خوارزميّةً استناداً إلى مجموعة مرجعية من أيدي مجموعة أشخاصٍ من أصلٍ أوروبيٍّ. باستخدام عدّة قياساتٍ مثل طول الأصابع، وطول اليد، ونسبة البنصر إلى السّبّابة، ونسبة السّبّابة إلى الخنصر. هذه الخوارزميّة تنبّأت فيما إذا كانت البصمات لرجلٍ أو لأنثى. على الرّغم من وجود كثيرٍ من التّشابه بين الجنسين كانت الخوارزميّة دقيقةً حيث تنبّأ بالنماذج الحديثة بنسبة 60 % من الدّقة.

تمّ العثور على قوالب رسمٍ يدويّةٍ وبصمات أيدٍ في كهوفٍ في الأرجنتين وأفريقيا وبورنيو، وأستراليا. ولكنّ الأمثلة الأكثر شهرةً والّتي تعود إلى 12000 – 40000 عام هي لوحات كهف "Gargas" و "Pech Merle" في جنوب فرنسا و كهف "El Castillo" شمال اسبانيا.

ما هويّة الرسّامين؟ نساءٌ، فتيانٌ، أم سَحَرة؟

توصّل الباحثون على اختلافهم إلى ثلاث نتائج مختلفة:

أوّلها: أوضح تحليل "سنو" أنّ 75 % كانوا من النّساء.

وثانيها: فقد شكّك بعض الخبراء فيما سبق. فقام عالم الأحياء التّطوّريّ "R. Dale Guthrie " بتحليلٍ مماثلٍ لبصمات أيدٍ من العصر الحجري القديم، مرتكزاً على الاختلافات في عرض راحة اليد والإبهام فوجد أن الغالبية العظمى من بصمات الأيدي كانت لشبّانٍ في مقتبل العمر. فبالنّسبة للكبار كانت الكهوف خطرةً وغير مثيرةٍ للاهتمام. أمّا الصّبية الصّغار فكان استكشاف المغامرة محبّباً إليهم، فقد رسموا ما كان يدور في أذهانهم من الحيوانات الضّخمة المخيفة إضافةً إلى طبعات أيديهم.

باحثون آخرون شدّتهم المعطيات الجديدة فاقتنعوا بها. حيث رفضوا فكرة أنّ هذا الفن جاء لأسبابٍ عمليّةٍ بحتةٍ تتعلّق بالصّيد. فرأوا أنّ معظم الفن قد قدّمه السّحرة الذين ذهبوا إلى غيبوبةٍ لمحاولتهم الاتّصال في عالم الأرواح حسب معتقدهم. أولئك السّحرة ضمّوا بمعظمهم النساء أو المخنثين. وهذه هي النّتيجة الثّالثة.

الدّراسات الجديدة تثير العديد من الأسئلة أكثر ممّا تجيب عليها. فهل أحرزت النّساء لقب الفنّانين الأوائل؟ وهل اقتصر إبداعهم على طبعات الأيدي فقط؟ أم نضيف إلى ذلك ما تبقّى من الفن؟ وهل شمل تحليل اليد احتماليّة أن يكون أولئك الفنّانون يشراً بدائيّين؟ ولماذا كانت معظم طبعات أيديهم هي للأيدي اليسرى؟

كلّ ذلك وأكثر مايزال قيد البحث والاستكشاف..

ترجمة: آلاء الصيدلي

تدقيق: ليلى السعدي

تصميم الصورة: دانيا الخلف

المصدر: هنا