البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

كيف تتشكل خيوط العنكبوت؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

حرير العنكبوت Spider silk مادةٌ مثيرةٌ للإعجاب، خفيفةُ الوزن وبسيطة، إلا أنَّها أقوى من الفولاذ، ولذلك فإنَّ التحدي الذي تواجهه العناكب في إنتاج هذه المادة هائلٌ!

تُحوَّل بروتينات الحرير Spidroins من شكلها القابل للذوبان إلى ألياف صلبة في درجة الحرارة المحيطة. إلا أنَّ سرعة حدوث التحول تدفعنا إلى التساؤل حول كيفية تحقيق مثل هذا الإنجاز المذهل؟!

في بحثٍ جديد نُشر في صحيفة PLOS biology، أظهر Jan Johansson و Anna Rising كيف تُنظَّم صناعة الحرير، وقد تم العمل في الجامعة السويدية للعلوم الزراعية SLU ومعهد كارولينسكا بالتعاون مع زملاء في لاتفيا، الصين، والولايات المتحدة الأمريكية.

بروتينات Spidroins هي بروتيناتٌ كبيرةٌ مكونةٌ من أكثر من 3500 حمض أميني وفيها تسلسلاتٌ (من الحموض الأمينية) معظمها مكررة. ولكنَّ العناصرَ الأكثر أهميةً في عملية تحول السبيدرونات إلى حرير هي المناطق الانتهائية للبروتين التي تكون مميزةً لحرير العنكبوت ومتشابهةً جداً بين أصناف العناكب المختلفة. يكون للـ Spidroin بنيةٌ حلزونيةٌ غيرُ منتظمة عند تخزينها كبروتيناتٍ ذوابةٍ في الغدد، ولكن عند تحولها إلى حرير، تتغير بنيتها بالكامل إلى شكلٍ ذي درجةٍ عاليةٍ من الاستقرار الميكانيكي. يُفعّل هذه التغيُّرات مدروج الحموضة ( تغيُّر الرقم الهيدروجيني PH بين نهايتي غدة حرير العنكبوت ما يعني تغير الحموضة).

أظهر الباحثون أنَّ الـ PH ينحدر من القيمة المعتدلة (PH = 7.6) إلى الحالة الحمضية (PH = 5.7) بين بداية الذيل ومنتصف القناة التي تحوي الحرير*. وقد كان هذا الانخفاض في قيمة الـ PH أكثر من المتوقع بالنسبة للعلماء. ولوحظ أيضاً أنَّ تركيزَ شوارد البيكربونات وضغط ثنائي أوكسيد الكربون CO2 يرتفعان على طول الغدة. واكتُشف المسؤول عن تشكُّل مدروج الـ PH ألا وهو إنزيم كاربونيك أنهيدراز Carbonic Anhydrase الذي يقوم بتحويل ثنائي أكسيد الكربون والماء إلى شوارد البيكربونات والهيدروجين (وبالتالي خلق بيئة حمضية)، وقد أثبت العلماء فعاليةَ هذا الإنزيم في القسم الأضيق من غدة الحرير وتم التأكيد على دوره الأساسي في انخفاض الـ PH وبالتالي التأثير على ثباتية كل من نهايتي السبيدرونات Spidroins**.

تصبح إحدى النهايتين (النهاية الأمينية المسماة N–terminal) أكثرَ استقراراً بعد ارتباطها بجزيئات أخرى عند ازدياد الحموضة. وبنفس الوقت، يتزعزع استقرار النهاية الأخرى (الكربوكسيلية C – terminal) وتؤدي هذه التغيرات في المحصلة إلى بلمرة*** السبيدرونات عند PH = 5.5 تقريباً (تحدث هذه البلمرة بالتحديد عن النهاية C) وتتشكل خيوط الحرير التي نعرفها.

إحدى الملاحظات القيمة كانت أنَّ بنيةَ النهاية C– terminal مشابهةٌ لتلك الموجودة في لييفات الأميلويد (Amyloid) التي تظهر عادةً في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر مثلاً، ومنه نجد أنَّ فهم آلية تشكل الحرير والتحولات الطارئة على نهايتي البروتين ربما تلعب دوراً هاماً في الوصول إلى طرقٍ طبيعيةٍ لإعاقة تشكل لييفات الأميلويد الملحوظة في حالة الخرف وغيره من الأمراض.

الحاشية:

* تتألف الغدة عند العنكبوت من ذيل وكيس وقناة.

**البروتين: يتألَّف من حموض أمينية، والحموض الأمينية تمتلك نهاية وظيفة كربوكسيلية تسمى C وأخرى أمينية تسمى N وهاتان هما النهايتان المقصودتان هنا

***البلمرة: تشكُّل البوليمير، وهو جزيء كيميائي طبيعي أو صناعي مؤلف من عدد كبير من الجزيئات الأصغر المرتبطة مع بعضها.

المصادر:

هنا

هنا