الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

موجز عن تاريخ الفلسفة - الفلسفة اليونانية من السفسطائية إلى أرسطو

هناك فارق ليس بالبسيط بين أن تُحيل وجود العالم لِقوى أسطورية أو خارقة، وبين أن تعزو هذا الوجود لأسباب طبيعية فيكون بمقدورك البرهنة عليها بالأدلة الحسية أو العقلية، وهذا الفارق الدقيق هو السِّمَة الأساسية التي تميَّزت بها الفلسفة اليونانية.

الفلسفة اليونانية: هي الفلسفة التي نشأت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الإغريق ومجموعة المقاطعات المحيطة بها، ودارت مسائلُها في البداية عن البحث العقلي والعلمي لإجابة التساؤل عن أصل العالم. وبطبيعة الحال لم يكن اليونانيون أول من طرح هذا التساؤل؛ إذ لا يخلو أيُّ إرثٍ حضاري من البحث عن جوابٍ لهذا السؤال؛ ولكن الجديد في الفلسفة اليونانية كان بالبحث عن إجابة عقلية علمية بعيدًا عن التفسيرات الأسطورية الغيبية التي كانت سائدة في الفلسفات الشرقية القديمة، وعند هذه النقطة بالذات تَكمن أصالة الفلسفة اليونانية وقطيعتها مع الفكر الشرقي الأسطوري.

ولا يعني ذلك أنَّ الفلسفة اليونانية المادِّية قد خلت تمامًا من الميتافيزيقية؛ لكن لا تعدو هذه الأفكار من كونها تأثُّرًا بالحضارات المجاورة كالفينيقية والفرعونية؛ إذ لم تكن القطيعة كاملة تمامًا. ولكي نكون مُنصفين؛ فإنَّ الفلسفة اليونانية في مراحلها الأولى كانت محاولةَ خروج من التفكير الأسطوري التامِّ نحو فكرٍ أكثر معقولية في البحث عن تفسير الوجود.

المراحل التي مرَّت بها الفلسفة اليونانية:

هناك شبه إجماع من مُؤرخي الفلسفة على تقسيم الفلسفة اليونانية إلى مراحل أساسية:

- المرحلة الأولى وهي مرحلة الفلسفة اليونانية ما قبل سقراط أو مرحلة الفلسفة الطبيعية  هنا وتتمثَّل سِمتُها الأساسية في البحث عن أصل الكون بواسطة المادة؛ إذ تناولت موضوعاتها تساؤلًا أساسيًّا وهو: "ما المادة الأولى التي يتشكَّل منها العالم؟"، وهو خلاف للسؤال الأساسي الذي كان مطروحًا: "ما القوى التي أعطت الوجود للعالم؟"؛ ويُمثِّل الفارقُ بين السؤالين الفارقَ بين البحث العلمي العقلي وبين البحث الميتافيزيقي الأسطوري.

وكان موضوعُ تلك المرحلة هو العالم الخارجي والعناصر التي يتركَّب منها، فكان لا بدَّ من الخوض في موضوع آخر في مرحلة لاحقة؛ وهو العالم الداخلي (أو الإنسان) والبحث عن المشكلات والحلول التي تمُتُّ بصِلة إلى حياته العملية في التربية والسياسة وغيرها.

بدأت هذه المرحلة مع السفسطائية هنا

وعلى الرغم من التشنيع الذي التصق بلفظة سفسطائي؛ فقد التزم السفاسِطَة منذ عهد بروتاغوراس بتعليم الفضيلة؛ ولكنهم قصدوا بها الفضيلة العملية، ولا سيما المهارة في الميدان السياسي والقضائي.

ولكن اختلف أسلوبهم عن القدماء مثل الإيليائيين الذين استخدموا المنطق قبل كل شيء؛ فقد اعتمد السفسطائيون على الخطابة أو الجدل في المُماحكات السياسية والقانونية، ولم ينفوا قط التُّهمَ التي كانت تُوجَّه إليهم منذ عهد سقراط، وهي أنهم كانوا يُفضِّلون النجاح على الحقيقة، أو النتائج العملية على المبادئ النظرية الصرفَة.

ووسط انهيار مُثُل الحقيقة والأخلاقيات من جرَّاء السفسطائيين؛ ظهر سقراط في أثينا وهو الذي اشتغل بالفلسفة قرابة عشرين إلى ثلاثين عامًا؛ لكنه اتُّهِمَ -وهو في السبعين من عمره- بإنكار الآلهة القومية وإدراج آلهة من عنده وإفساد الشباب فحُكِمَ عليه بالموت.

لم يتبع سقراط أيَّ نَسَقٍ فلسفيٍّ؛ بل كان مؤلِّفًا لنزعاتٍ فلسفيةٍ، ولم يُخضِع أراءه للكتابة فعُرِفَ عن طريق محاورات أفلاطون.

واشتهر سقراط بأسلوبه القائم على الجدال والتهكُّم؛ إذ كان يذهب إلى السوق وُيناقش المارِّين هناك في موضوعات عميقة كالحياة والموت؛ وذلك عن طريق طرحه أسئلةً يدَّعي بأنّه لا يعلم شيئًا منها، وجُلَّ ما يريده هو تعلُّم الحكمة منهم.

وعلى عكس من سبقه من فلاسفة؛ فقد اهتمَّ سقراط بالإنسان وقيمه الأخلاقية وطريقة وصوله إلى الحقيقة وخالف السفسطائيين بقولهم إنَّ الإنسان لا يستطيع بلوغ أية معرفة يقينية.

لم يُنشِئ أيٌّ من الفلاسفة الذين سبقوا أفلاطون هنا مذهبًا فلسفيًا فيما قدَّموه.

فقد عدَّ أفلاطون المفاهيمَ والمبادئ مُثُلٌ قائمة بذاتها في عالم المُثُل الذي هو عالم الأفكار المُطلقة والمستقلّ عن الوجود الإنساني، وأنَّ هذه المُثُل ثابتة؛ وبذلك اعتقد أنَّ المبادئ الأخلاقية كالخير والشر والعدالة والفضيلة هي مبادئ مُطلقة وأحكامها صالحة لكلِّ زمان ومكان.

وقال أيضًا بأنَّ هذه المُثُل عقلانية؛ أي تُدرَك بواسطة العقل، وبالعقل وحده تكون معرفة المُثُل مُمكنة.

وناقش عدَّة موضوعات سنذكرها في مقالات لاحقة.

وعلى الجانب الآخر يوجد أرسطو؛ وهو المُنغمس بالواقعية، والذي هاجم تعاليمَ أفلاطون هجومًا شديدًا دون أيِّ تحامل أو استياء شخصي؛ إذ أشار أرسطو إلى أنّه صديق أفلاطون لكنّه صديقٌ أكبر للحقيقة.

ويُقال أنَّ أرسطو قد ألَّف 400 كتاب فُقِدَ منها أكثرُ من ثلاثة أرباعها، وعلى الرغم من أنَّ أعماله مبتورة؛ لكنها قيِّمة وذات أهمية كبيرة.

يُذكَر اسم أرسطو حتى يومنا الحاضر بسبب تأسيسه "المنطق الصُّورِي" الذي يُعلَّم في معظم المدارس والجامعات.

أمَّا الأخلاق؛ فقد انطلق فيها أرسطو لتقديم اقتراحات عملية؛ فعندما يتحدَّث عن الخير يقصدُ فيه ذلك الخير الذي يجب تحقيقه في كل الظروف التي يجد الناس أنفسهم فيها.

وهناك العديد من النظريات لأرسطو في مختلف المواضيع؛ منها السياسة والفن خاصةً المسرح والشعر؛ إذ كان فِكرُه مُؤثرًا في عصور لاحقة.

وسمِّيت هذه المرحلة (مرحلة النضوج)؛ إذ أصبحت الفلسفة ومجالاتها أوضح لِتتبعها مرحلةُ الذبول وهي الفلسفة الهلنستية.

المصادر: 

د. ماجد فخري: تاريخ الفلسفة اليونانية، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1991.

وولتر ستيس: تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984.

مصدر الصورة: هنا