الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية

استراتيجة الملياردير ورن بوفيت في العمل

قامت شركة بيركشاير هاثاواي "Berkshire Hathaway" مؤخراً بتوجيه رسالتها السنوية إلى جميع مساهميها. و انتهز مالكها وارن بافيت "Warren Buffett" هذه الفرصة لتذكير جميع من حوله بإحدى أهم الاستراتيجيات التي يتّبعها خلال عمله: معاملة الأشخاص معاملة حسنة هي أمر في غاية الأهمية. لأنك إذا عاملت الناس معاملة طيبة، ستجدهم مستعدين لبيعك شركاتهم و العمل لديك حتى لو عرضت عليهم أن يتقاضوا أقل مما عرضه منافسوك.

يتحدث بافيت عن اثنين من المدراء الذي جاؤوا للعمل في الشركة في السنوات الأخيرة: في السنة التي اكتشف فيها معظم مدراء المحافظ المالية أنه من المستحيل تجاوز مؤشر " S&P 500"، نجح كل من "تود كومبس" و "تيد ويشلر" في ذلك بسهولة. و حالياً يدير كل منهما محفظة تزيد قيمتها على ٧ مليارات دولار أمريكي، يقول بافيت: "لقد استحقاها بالفعل، و لا بد لي من الاعتراف بأن الاستثمارات التي قاما بها تجاوزت استثماراتي بكثير، و إذا ما استمرّت مثل هذه المقارنات المذلّة في المستقبل، فعليّ التوقف عن الحديث عنهما، فدماء بيركشاير هاثاواي تجري في عروقهما".

من البديهي أن نعتبر كلاً من تود و تيد مستثمرين من الطراز الأول حسب ما قاله السيد بافيت، و لكن الغريب في الأمر أن الاثنين لا يكسبان الكثير من المال بالمقارنة مع غيرهما من المدراء في مجالهما، حيث أن كل منهما يدفع ٣٥٪ كضريبة عن عمله في بيركشاير هاثاواي، في حين يدفع غيرهما من المدراء ١٥٪ كضرائب عن عملهم في صناديق التحوّط "Hedge Funds". و علاوة على ذلك، ما يتلقاه كل منهما من مكافآت مالية تُعتبر أقل من عادية في مجال عملهما. أما بالنسبة للراتب، يحصل كل من تود و تيد على مبلغ لا يتجاوز عُشر ١٪ من قيمة الأصول التي يديرانها و ذلك اعتماداً على الأداء، في حين يتلقى غيرهم من مدراء المحافظ المالية ٢٪ دون النظر إلى الأداء، أي أنها قيمة ثابتة حتّى في حال الخسارة.

فلماذا إذاً يعمل كل من تود و تيد في بيركشاير هاثاواي في حين يستطيع كل منهما الانتقال بسهولة للعمل في عالم صناديق التحوّط لقاء مقدار أكبر من المال؟

"العمل هو ليس فقط الراتب الذي نتلقاه في آخر الشهر، فالتعويضات التي يحصل عليها الموظف و مرونة أوقات العمل و مكان العمل و الشعور بالرضا هي أمور في غاية من الأهمية. هل يرى الموظف نفسه في مستقبل الشركة و أين؟ هل يشعر بأنه شخص موثوق به؟ كل هذه المزايا المعنوية لا نجدها مكتوبة في ميزانية الشركة أو في أي من وثائقها الرسمية. و قد تحتاج هذه الأمور لبعض الوقت ليجري تقديرها، كما أنه ليس بمقدور الجميع تفهّمها و خاصة من قبل من لا يعمل في الشركة و لا يفهم ثقافتها، حيث لا توجد أي طريقة لقياس ذلك. فالشركات الجديرة بالثقة قد تجد أنه من الأسهل لها المحافظة على هامش ربح ثابت مقارنة مع غيرها".

إن هذه الطريقة المتبعة لخلق سمعة طيبة للشركة للحصول على أفضل النتائج بأقل المصاريف هي من أهم استراتيجيات بيركشاير هاثاواي. فقد بين السيد بافيت في إحدى اجتماعات الشركة أنه عن طريق بناء السمعة الجيدة و إظهار حسن النيّة يمكنه بالفعل الاستحواذ على شركات أُخرى بأسعار أقل من غيره، حيث إذا رغب في شراء شركة ما، فإن أصحاب هذه الشركة يكونون واثقين تماماً بأن بيركشاير هاثاواي لن تعمد إلى نهب أصول شركتهم أو تسريح عمّالها، و هم غالباً ما يكونون على استعداد لقبول مبلغ أقل من المال مقابل حصولهم على وعد بأن شركتهم ستكون على ما يُرام بعد بيعها.

يُتابع السيد بافيت بقوله أنه في عام ١٩٨٣ عندما ذهب لرؤية السيدة "روز بلومكين" مُحمّلاً بدستة من الأوراق لعرض شراء شركة "NFM" "نيبراسكا فيرنتشر مارت" – و هي أكبر شركة مفروشات منزلية في أمريكا الشمالية- قبلت السيدة بلومكين التي أسست هذه الشركة عام 1937 عرضه دون تغيير كلمة واحدة، و تمّ عقد الصفقة دون إشراك أي بنوك استثمارية أو محامين. و هي تجربة وصفها السيد بافيت بأنها خيالية، حيث لم يتكبّد حتى عناء الغوص في البيانات المالية غير المدقّقة للشركة، فكانت كلمة السيّدة بلومكين مصدر ثقة كافٍ بالنسبة له.

توفيت السيّدة بلومكين عام ١٩٩٨ عن عمر ناهز ال ١٠٤ أعوام، و لكن العمل مازال مستمراً من بعدها من خلال أبنائها و أحفادها، و بالطبع السيد بافيت الذي قام ببناء علاقة متينة مستمرة مع الشركة و مؤسّسيها منذ ٣٠ عاماً حتى الآن.

ليس هنالك أي نوع من الخداع أو التعقيد في ما ذكرناه آنفاً، فالسيد بافيت ينتهز الفرصة دائماً للتذكير بضرورة معاملة الناس معاملة إنسانية، و بأن بيركشاير هي عائلة أكثر من كونها شركة. فالعمل على هذا المنوال أتاح له بالفعل شراء العديد من الشركات بأسعار أقل، و توظيف الأشخاص الأكثر موهبة لقاء أجور أقل من تلك التي يعتبرها شخصياً "فاحشة".

References:

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا