الفيزياء والفلك > فيزياء

بول آدريان موريس ديراك (1902- 1984)

ولد بول آدريان موريس ديراك في الثامن من آب عام 1902 لعائلة صغيرة. ترعرع ديراك في إحدى ضواحي بريستول، إنكلترا. لم تكن طفولته سعيدة فوالده كان صارماً ودقيقا جداً اتسمت شخصيّة ديراك بصبغة انطوائيّة، فكان ولداً غير اجتماعيّ. كان والده مدرساً للغة الفرنسيّة. أما أمه فعملت كموظفة في المكتبة العامة.

منذ طفولته الأولى أبدى ديراك اهتماماً كبيراً بالرياضيات. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسةBishop Road ثم درس هندسة الكهرباء في كلية الهندسة التابعة لجامعة بريستول بناءً على رغبة والده في حصول أولاده على مجالات عمل تطبيقية.تخرج بمرتبة شرف وحصل نتيجة لذلك على منحة صغيرة ولكنها لم تكن كافية ليكمل دراسته في جامعة كامبريدج ونظراً لعدم إيجاده لعمل بعد تخرجه درس الرياضيات التطبيقيّة لمدة سنتين إضافيتين. وتخرج أيضا برتبة شرف وحصل على منحة ثانية مكنته مع الأولى من الدراسة في كامبريدج.شُغف ديراك بالنسبيّة العامّة التي كانت ذائعة الصيت آنذاك وقضى الكثير من وقته في دراستها. وبناءً على نصيحة أساتذته دخل ديراك جامعة كامبريدج كطالب باحث.

في آب 1925 اطلع ديراك الورقة البحثيّة لهايزنبرغ لم تكن منشورة بعد والتي تعدّ اطلقت النقلة النوعية من نموذج بور الذريّ إلى الصياغة الأحدث لميكانيك الكمّ. في سلسلة من الأوراق، بالإضافة إلى أطروحة الدكتوراة خاصّته ، طوّر ديراك أفكار هايزنبرغ. في خريف 1926 قام كل من ديراك وجوردون بشكل مستقل، بجمع الصياغة التي توصل إليها سابقا كل من هايزنبرغ وباولي وجوردان وماكس بورن مع معادلة شرودنغر الموجيّة في قالبٍ عام دعي بنطرية الانتقالات (transformation theory) والتي كانت أول تشكيل رياضي متكامل لميكانيك الكمّ.

وجّه ديراك اهتمامه إلى الجمع ما بين ميكانيك الكم والنسبية الخاصة مقتنعاً بالتفسير الاحتمالي لقوانين ميكانيك الكم التي تحكم عالم الذّرات. فقام في عام 1928 بتطوّير المعادلة الموجية التي أوجدها شرودنغر لتتناسب مع مبادئ النسبية الخاصة أيضاً. ولكن ما وجده ديراك هو أن معادلته تحوي مشكلة. فبالإضافة لحل المعادلة الذي يصف الالكترون كان هناك حل آخر موجب الشحنة وغير متوافق مع أي جسيم معروف حينها. وعندما بين آخرون أن كتلة هذا الجسيم يجب أن تكون مساوية لكتلة الالكترون أعلن ديراك أن معادلته في حالة صحتها تعني وجود نوع جديد من الجسيمات غير معروف كتلته تساوي كتله الالكترون ولكن شحنتيهما متعاكستين. وقد تأكد وجود هذا الجسيم – الذي سمي لاحقا بوزيترون - عندما اكتشفه كارل آندرسون عام 1931. وهكذا فإن المشكلة التي اعترضت ديراك في معادلته الموجية كانت نصراً كبيراً له وإحدى أهم أسباب منحه جائزة نوبل للفيزياء عام 1933.

من هذه التجربة خلص ديراك إلى إلى درسٍ منهجي، وهو أنَّ على الفيزياء النظريّة أن تعتمد على المعادلات الرياضيّة عند بحثها عن قوانين جديدة، حتى لو تأخر التفسير الفيزيائي لهذه المعادلات مؤقتاً. وكثيراً ما عبر لاحقاً عن رأيه أنه لكي تكون نظرية فيزيائيّة صحيحة يجب أن تعتمد على رياضيات متينة.

في أعماله اللاحقة استمر ديراك بتقديم العديد من الإسهامات والإيضاحات فيما يتعلق بمكيانيك الكمّ، وهذا ما كان جليّاً في كتابه "مبادئ ميكانيك الكم".

وبرغم ذلك لم يكن عندها ديراك راضيا تماما عن صياغة ميكانيك الكم النسبوي لعدة أسباب من ضمنها أن ظهور قيم لا نهائية في الحسابات الرياضية الناتجة عن النظرية. بعد الحرب العالمية الثانية توصل الفيزيائيون لوسيلة للتخلص ولو بشكل ظاهري من هذه القيم اللانهائية ولكن ذلك كان من وجهة نظر ديراك مجرد "حيلة ذكية" بدلا من أيجاد حل جذري للمشكلة. وقد تمنى ديراك أن يحدث تغيير ثوري في المبادئ الأساسية بحيث تغدو هذه النظرية متماسكة كما ميكانيك الكم غير النسبويّ.

بعد حصول ديراك على شهادة الدكتوراة في كامبريدج شغل منصب الكرسي اللوكيزي في الجامعة في قسم الرياضيات، وهو نفس المنصب الذي شغله إسحاق نيوتن في الماضي البعيد. ومن الجدير بالذكر أن ديراك كان نشيطاً جداً في المجال البحثي وشارك بالعديد من النقاشات واللقاءات العلميّة. وعلى العكس من كثيرٍ من فيزيائيّ عصره، لم يتجه ديراك إلى مجال الفيزياء النوويّة، ولم يشارك إلا بشكل هامشيّ في تطوير القنبلة النوويّة خلال الحرب العالميّة الثانيّة.

على الرغم من تقديمه للكثير من الإسهامات في مجال الإلكترودينامك الكمومي مات ديراك في العشرين من تشرين الأول عام 1984 غير راض عن ثمرة أفكاره التي أدت لوجود تلك القيم اللانهائية.

المصادر:

هنا

هنا