علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الأخلاق ضمن الجماعة: الانتماء لجماعةٍ يجعل الناس أكثر استعداداً لإيذاء الآخرين الّذين لا ينتمون لذات الجماعة

استمع على ساوندكلاود 🎧

انتمائُك إلى جماعةٍ معينةٍ، يُفقدُكَ إيمانك بمعتقداتك الأخلاقيّة الشخصيّة، حين يتجمّع الناس مع بعضهم ضمن جماعات، تقع أشياء غير اعتيادية، على الصعيدين السلبي و الإيجابي.فالجماعات تصنع مؤسسات اجتماعية هامة، حيث أنه ليس بمقدور الفرد أن يحقق شيئاً لوحده.لكن قد يكون هناك جانب مظلم لمثل تلك التحالُفات، فالانتماء لجماعةٍ يجعل الناس أكثر استعداداً لإيذاء الآخرين الّذين لا ينتمون لذات الجماعة.

و على الرغم من أن البشر في معظم الحالات يفضلون العدالة والإنصاف والموانع الأخلاقية على الأذى، لكن أولويات البشر تتغير عندما يكون هناك "نحن" و "هم"، تقول البروفيسورة ريبيكا ساكس Rebecca Saxe الأستاذة في MIT: "الجماعات غالباً ما تقوم بأعمال تتعارض مع الأخلاق الشخصيّة لكلِّ فردٍ من الجماعة، و تحفّز الأفراد على القيام بالأفعال الشائنة، وإلى الإتباع الأعمى لفكر الجماعة مما يفضي إلى النهب و التخريب، و حتى الوحشية الملموسة.

هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً في هذا التحول، فعندما ينتمي الناس لجماعة، تؤمن لهم الجماعة الغطاء ليقوموا بالأفعال الخاطئة وبذلك يعتقدون أنّهم لن يُكتشفوا، بل و ربما سيشعرون بنقص مسؤوليتهم الشخصية تجاه الأفعال الجماعية.

و قد أجرت ساكس و زملاؤها مؤخراً دراسة على عاملٍ اْخر يعتقد علماء النفس المعرفي بأنه قد يكون فاعلاً في ديناميكية الجماعة، والفرضية تقول بأننا حين ننتمي لجماعات فإننا نفقد أي اتصال مع معتقداتنا الأخلاقية الشخصية ونصبح أكثر قدرة على ارتكاب أفعال كنا لنعتقد أنها خاطئة في حالتنا الطبيعيّة..

و قد لاحظ الباحثون في دراسة أُخرى أنّ النشاط دماغي في جزء من الدماغ المسؤول عن تفكير الفرد الذاتي انخفض لدى بعض الناس عند مشاركتهم ضمن مجموعات في مسابقة، حيث هؤلاء الناس كانوا أكثر قابليّة لإيذاء منافسيهم أكثر من أولئك اللذين لم ينخفض لديهم هذا النشاط.

هذه العملية لوحدها لا تبرر النزاع بين الجماعات، هذه التكتُّلات أيضا تؤمن المخبأ وعدم الكشف عن الهوية وتقلل من المسؤولية الشخصية وتشجع على إعادة صياغة الأعمال المؤذية بأنها "ضرورية من أجل تحقيق الصالح العام"

ورغم ذلك تشير هذه النتائج إلى أنّه في بعض الحالات انعكاسها على المعايير الأخلاقية الشخصية قد يساعد في تخفيف من "العقليّة الغوغائيّة".

سيكارا Cikaraالأستاذة المساعدة في جامعة كارنيجي ميلون، و التي بدأت مشروع بحث حول المعاناة من عواقب " العقلية الغوغائية "، بعد زيارة لأستاد ملعب يانكي، حيث كان زوجها يستقبل بصيحات الاستهجان دون توقف من مشجعي فريق (اليانكيز) لأنه كان يرتدي قبعة فريق ( ريد سوكس )، و قد اعتقدتُ أنّني فيما لو أخذت القبعة منه و ارتديتها فسأكون أقل استهدافاً من قبل هؤلاء بحكم كوني امرأة، و لكنني كنت مخطئة، فلم يسبق أن تمّ توجيه مثل تلك الألفاظ لي في حياتي كلها.

و ظلت المضايقات تلاحقها طوال الرحلة إلى مانهاتن و التي أثارت رد فعل قوي من قبل " سيكارا " نفسها و التي هي أصلاً ليست من مشجّعات فريق" ريد سوكس". لقد كانت تجربة مذهلة بحق، لأن ما لاحظته أنّ الفرد سينظر له على أنه عضوٌ في جماعة أو أمّة " ريدسوكس"، و الطريقة التي ردّ بها الناس عليّ، و الطريقة التي جعلتني اندفع باستجابة عكسية قد تغيّرت، و كل ذلك بحكم

مثير بصري ( قبعة بيسبول )، تقول : " بمجرّد أن تشعر بأنك ستُهَاجَم بصفتك منتمٍ لجماعةٍ ما، فإن ذلك و بشكل عفوي، سيُغيّر من تركيبتك النفسية "

بعدها بدأت مشروع للتحقق من الآليات العصبيّة الكامنة وراء ديناميكية الجماعة، و التي تنتج السلوك المؤذي و في دراسة جديدة، قام العلماء بالتركيز على جزء من الدماغ يسمّى قشرة الفص الإنسي المسؤول عن تفكير الفرد الذاتي " في نفسه " والذي يضيء في صورة الرنين المغناطيسي للمخ عن التفكير الذاتي.

قبل بضعة أسابيع من وصول المشاركين بالدراسة، قام الباحثون بالتقصّي عن كل واحد منهم عن عاداتهم الاجتماعية و ميولهم، و أيضاً عن معتقداتهم الأخلاقية و سلوكياتهم، مما سمح للباحثين بتشكيل قاعدة بيانات للحالات الفردية لكل موضوع حول حقيقة هذا الشخص أو ذاك،و حين وصلت عيّنات الاختبار إلى المختبر، تم تصوير مسحي لأدمغتهم من خلال لعبة، مرّة يتم لعبها من كل

فرد على حدىً، و مرّة كجزء من فريق، كان الهدف من اللعبة الضغط على الزر إذا رأوا حالة مرتبطة بوسائل التواصل اجتماعي، مثال ( أنا لديّ أكثر من 600 صديق على الفيس بوك ).

و أيضاً لوحظ أن حالاتهم الأخلاقية الشخصية امتزجت في عبارات حول مواقع التواصل الاجتماعي، و أظهر المسح الدماغي أنه عندما يقوم الأشخاص في التجربة باللعب من أجل ذاتهم، تومض قشرة الفص الجبهي الإنسي أكثر بكثير من قراءة التصريحات حول الآخرين، مما يتفق مع النتائج السابقة.

و مع ذلك فمن خلال منافسات الفرق أظهر بعض الناس فرقاً أقل بكثير على مستوى التفاعل الوسطي لتفاعل قشرة الفص الجبهي، عند رؤية تصريحاتهم الأخلاقية الشخصيّة مقارنة بتلك التي تتحدث عن الآخرين. وجد الباحثون بعد اللُّعبة، أنّ الناس الأكثر انخفاضاً لمستوى نشاط قشرة الفص الدماغي الجبهي كانوا أكثر صعوبةً في تذكّر القواعد الأخلاقيّة التي سمعوها خلال المباراة.

وتقول سيكارا نستنتج أنّ تقييمك لذاتك وقدراتك تنخفض حين تتنافس تحت اسم الجماعة والدليل على ذلك ضعف الذاكرة الذي تمّ رصدهُ في قشرة الفص الجبهي الأُنسيّة.

بقي لنا أن نبحث عن السبب الكامن وراء ذوبان بعض الناس ضمن الجماعة أكثر من غيرهم فما رأيكم ؟ هل تعتقدون بعد ذلك أن من الصواب تصنيف الناس تحت مسميات أو تصنيفات جماعيّة ؟

المصدر: هنا