الهندسة والآليات > التكنولوجيا

العالم بعيون تقنية الواقع المعزز

كثير من الأفلام وروايات "الخيال العلمي" قدمت سابقا تصورا لأشخاص في بيئات مملوءة بالمعلومات الافتراضية كالخرائط، الصور وغيرها. وطبعا المميز كان تخيل إمكانية التجكم والتلاعب بهذه الواجهات الوهمية كما لو كانت واقعاًً ملموس. ومع مرور الأعوام نجد أن هذه التقنيات أصبحت واقعاً متوفراً للعموم، ولعل أبرز ما صدر عن هذه التقنيات نظارات جوجل وحديثاً نظارات HoloLens من مايكروسوفت. في الحقيقة هذه التقنيات جميعها يمكن تصنيفها تحت مسمى تقنية الواقع المعزز (Augmented Reality).

تقنية الواقع المعزز هي تقنية تسمح بدمج الواقع المحيط بمعلومات افتراضية تعزز إمكانيات المستخدم وتساعده على اتخاذ القرارات وتسهيل مهامه. ومن المثير للاهتمام أن هذه التقنية لا تعد وليدة القرن الـ 21!!! فأول ظهور فعلي لتقنية الواقع المعزز (Augmented Reality) كان في ستينات القرن الماضي. حيث قدم العالم إيفان سذرلاند (Ivan Sutherland) النموذج التجريبي "سيف داموكلس" (Damocles Sward) مع مجموعة من طلابه بجامعتي هارفرد ويوتاه. كان النموذج عبارة عن جهاز أشبه بخوذة ذات نظارة تسمح برؤية المحيط وتضيف أشكال ثلاثية الأبعاد إلى الصورة العامة.

وقبل البدء بالحديث عن هذه التقنية لابد من تميزها عن تقنية أخرى قد تبدو مشابهة وهي الأكثر شيوعاً، ألا وهي الواقع الافتراضي (Virtual Reality) ويكمن الاختلاف بين التقنيتين أن الواقع الافتراضي يحجب كل المحيط الحقيقي المحيط بك ويصبح المجال المشاهد هو الواقع الافتراضي فقط وذلك من خلال النظارات (جهاز العرض)، فالجهاز يزود المستخدم بصور وأماكن وأصوات افتراضية غير موجودة بمحيطه الحقيقي. أما تقنية الواقع المعزز فتستخدم الواقع الحقيقي المحيط بالمستخدم وتضيف عليه (تعززه) بصور أو نصوص حسب التطبيق المستخدمة لأجله التقنية.

يمكن أن تستخدم تقنية الواقع المعزز في كثير من المجالات والتطبيقات كالتطبيقات الطبية، التعليم، الصيانة، التصميم، والأكثر استخداماً هي في التطبيقات العسكرية! ولن نفصل في كيفية استخدام هذه التقنية بكل مجال. بل سنتركها لمخيلتكم. لأنه فعلياً لا يمكن حصر تطبيقات تقنية الواقع المعزز الممكنة،فبتغير الواقع المحيط وتغير المعلومات المدعمة تباعاً يمكن التوصل لتطبيق جديد.

قد يعتقد البعض بأن تطبيق هذه التقنية يتم من خلال نظارة أو شاشة جهاز محمول وتتخللها معلومات إضافية. لكننا نمتلك حواساً أخرى غير البصر، فالواقع المعزز تقنية لا تقتصر على تعزيز المحيط المرئي بل إنها تشمل تعزيز حواس أخرى مثل السمع، الشم ،التذوق واللمس. ولكل حاسة من هذه الحواس جهاز عرض ملائم للحاسة. الذوق ((gustatory displays، الشم (olfactory displays)، السمع (aural displays) واللمس (haptic displays).

وكتوضيح لهذه الفكرة فإن تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد (3D Audio) هي أكثر تقنية قد تكون قريبة من الفهم ففي السينما "تحس" الصوت و"تحس" جهته أكتر من مجرد سماع الصوت وإذا كان مصدر الصوت بالفيلم متحركاً فإنك تحس أن الصوت تحرك تباعاً! هذا هو تعزيز المحيط، حيث تم تعزيز المحيط (السينما أو الفلم) بصوت أوصل حواسك لمعلومة (جهة مصدر الصوت). طبعاً إن المثال السابق أقرب للواقع الافتراضي لأن الفيلم افتراضي ولكن لو تخيلنا سماعات مشابهة تنقل أصوات لأشياء حقيقية محيطة بالمستخدم لا يستطيع سماعها بالحالة الطبيعية فيكون قد تم تعزيز الواقع المحيط بالمستخدم.

فإذاً للآن قد توصلنا أن تقنية الواقع المعزز يجب أن تشتمل على عدة أشياء:

1- دمج عناصر واقعية مع عناصر افتراضية.

2- الدمج يحدث بشكل متزامن (الزمن الواقعي).

3- التقنية تشمل كل الحواس وليس حاسة البصر فقط.

لكن هناك بعض الصعوبات والمعوقات التي لم تسمح لتقنية الواقع المعزز بالانتشار بشكل كبير. من أهم هذه المعوقات:

- تطلبها قدرة معالجة عالية تسمح بمعالجة المعلومات المستقاة من الواقع المحيط وتعززها بمعلومات افتراضية خلال زمن يقارب الصفر (زمن حقيقي) هذا النوع من المعالجات موجود لكن المعالجات التي تلبي هذه الاحتياجات لا تلبي متطلبات الحجم لتصميم جهاز عرض (مثلاً نظارة) سهل الحمل والاستخدام ! وهذا يوضح كيف أن التقنيات مترابطة مع بعضها البعض وإن تطور أي تقنية قد يسهل نجاح تقنية أخرى، وإن كانت التقنيات نظرياً مختلفة من حيث المجال.

- من أهم التحديات لنجاح تقنية الواقع المعزز هي تطوير خوارزميات لمعالجة الصور للواقع المحيط وتحديد العناصر المحيطة وربطها بالمعلومات التي سيتم عرضها.

لتوضيح أهمية تقنية معالجة الصور بنجاح تقنية الواقع المعزز لنفترض أن التطبيق المستخدم هو مساعدة طبيب جراح خلال عملية جراحية. الطبيب سيراقب جسم المريض من خلال النظارة المدعمة بالتقنية والتي ستحدد بدورها أعضاء المريض المشاهدة وتظهر للطبيب الخطوات اللازم تنفيذها. فإذا أخطأت النظارة بتحديد شريان عوضاً عن شريان اخر مجاور فهذا سيؤدي لخطأ كارثي قد يعرض حياة المريض للخطر! أو في حال استخدام التقنية لتطبيق عسكري لمهندس تفكيك ألغام و وأخطأت النظارة بتحديد السلك هذا سيكون سبباً في مشكلة كبيرة!

-عند دراسة أسباب عدم انتشار أو انتشار أي تقنية، غالباً يكون للمستخدم الدور الأكبر بتقبل التقنية والمساعدة على نشرها. فلو أننا افترضنا أن كل المعوقات التقنية السابقة غير موجودة وأننا قادرين على تخطيها بسهولة. يبقى العائق الأهم هو هل يتقبل الإنسان (المستخدم) التقنية بحد ذاتها! هل يقبل الطبيب أن يلبس نظارة ترشده وهو الذي أمضى عمره بدراسة أعضاء جسم الإنسان! وهل سيقبل ميكانيكي السيارات أن يستخدم نضارة ترشده بعد كل سنين الخبرة في إصلاح السيارات! حتى أن أحدهم قد يتباهى بقدراته ويقول "بعملها عالعمياني" سواء كانت عملية جراحية أو إصلاح سيارة!!

عموماً تمر كل تقنية بمراحل عديدة حتى يتبلور دورها بين التقنيات فمن التطبيقات التي لاقت فيها هذه التقنية رواجاً فيها كان استخدامها في التدريب والتعليم. فإن استهداف شريحة عوضاً عن شريحة أخرى قد يكون عاملاً مهماً لنجاح التقنية من حيث رواجها. فباستخدام سياق المثال السابق إذا فرضنا أن التقنية ستستخدم لتدريب فنيي إصلاح السيارات، سنجد أن ساعات التدريب اللازمة لتأهيل الفني ستنخفض بشكل ملحوظ. حيث أن المتدربين سيصبحون قادرين على إنجاز التمارين بسرعة أكبر وبدقة أكبر.

فيديو توضيحي لأحد تطبيقات تقنية الواقع المعزز بمجال صيانة السيارات: هنا

المراجع

De Crescenzio، F.، Fantini، M.، Persiani، F.، Di Stefano، L.،Azzari، P.، &Salti;، S. (2011)'Augmented reality for aircraft maintenance training and operations support'،Computer Graphics and Applications،

IEEE، 31(1)، pp. 96-101.

Hincapie، M.، Caponio، A.، Rios، H.، &Mend;ívil، E. G. (2011)'An introduction to Augmented Reality with applications in aeronautical maintenance'،13th International Conference on Transparent Optical Networks (ICTON)،Stockholm 26th – 30th June، IEEE،pp. 1-4.

Van Krevelen، D. W. F.، &Poelman;، R. (2010)'A survey of augmented reality technologies، applications and limitations'،International Journal of Virtual Reality، 9(2)، pp. 1-20.