البيولوجيا والتطوّر > التطور

قد يكون هرمون الذكورة سبباً في تأخر البشرية!

في دراسةٍ جديدة نُشِرت في مجلة Current Anthropology (علم الإنسان حالياً)، وُجد أن شكل الجماجم البشرية قد تَغَيّر مع ازدهار الثقافة البشرية -بطرقٍ تشير إلى انخفاض مستويات التستوستيرون*- حيث استندت الدراسة لقياسات أكثر من 1400 جمجمةٍ بين قديمةٍ وحديثةٍ، لتبرهن أن المجتمع البشري تطوّر حين أصبح البشر ألطف بالتعامل فيما بينهم، الأمر الذي يستلزم وجود مستوياتٍ أخفض بقليلٍ من هرمون التستوستيرون، ويقول القائم على البحث "روبيرت سيري" (Robert Cieri): "ربما جاءت السلوكيات البشرية الحديثة كالابتكار التكنولوجي*، وصناعة الفن، والتبادل الثقافيّ السريع في الفترة ذاتها حين تطوّر البشر وامتلكوا طبيعةً أكثر تعاونيةً مع بعضهم".

ويقول أخصائيُّ علم الإنسان "ستيفين تشرشل" (Steven Churchill): "اختفت الحواجب الكثيفة مع التطور، وأصبحت الرؤوس أكثر دائريةً، ويمكن أن تُعزى هذه التغيرات مباشرةً إلى تأثير مستويات التستوستيرون على الهيكل العظمي"، ولكن لا يمكن للعظام أن تخبرنا عما إذا امتلك هؤلاء البشر مستويات تستوستيرون أقل في الدم، أم مُستقبلاتٍ* أقل لهذا الهرمون؟

شمل فريق البحث أيضاً باحِثَيِّ الإدراك الحيواني في جامعة "ديوك" (Duke)، "براين هاري" (Brian Hare) و "جنغ تشي تان" (Jingzhi Tan) حيث قالا أن هذا البرهان يتوافق مع ما تم إثباته سابقاً عند الأنواع غير البشرية، حيث في دراسة تقليدية على الثعالب السيبيرية -وهي حيوانات اقل حذراً وأقل عدوانية تجاه البشر- وُجد أن هذه الثعالب اتخذت مظهراً وسلوكاً مختلفين بعد أجيال عدة من التربية الانتقائية، حيث أصبحت أكثر وِداً ومُلاطفةً للبشر، ويقول "هاري" الذي يدرس الاختلافات بين أقرب القرود إلى الإنسان كقردة الشمبانزي العدوانية و قردة البونوبو الدمثة اللطيفة؛ "إذا كُنَّا نراقب عمليةً تؤدي إلى هذه التّغيرات في حيواناتٍ أُخرى، فإن ذلك قد يساعد في تفسير ما نحن عليه، وكيف وصلنا إلى ذلك" ويُكمل حديثه بشأن القِرَدة في مجال دراسته "تطوّرت تلك القردة بشكلٍ مختلفٍ، كما أنها تستجيب للضغوط الاجتماعية بطرقٍ مختلفةٍ".

يعاني ذكور الشمبانزي ارتفاعاً كبيراً في مستويات التستوستيرون خلال سن البلوغ، على خلاف قردةِ البونوبو، إضافةً إلى أن قردة البونوبو لا تُنتج مزيداً من التستوستيرون عندما تتعرض للضغوطات كما تفعل قردة الشمبانزي، إنما تقوم قردة البونوبو بإنتاج المزيد من الكورتيزول (هرمون الإجهاد)، وبالنسبة لتفاعلاتهم الاجتماعية فإنها تختلف جوهرياً، كما تختلف وجوههم أيضاً، ويقول هاري: "من الصعب جداً العثور على حافة بارزة للحاجب عند البابون".

قام "سيري" بمقارنة حافة الحاجبين، وشكل الوجه، والحجم الداخلي لـ13 جمجمة بشرية تعود لأكثر 80 ألف عام ،و41 جمجمة أعمارها بين 10 آلاف و38 ألف سنة، وعيّناتٍ عالميةٍ من القرن العشرين تشمل 1368 جمجمة تنتمي لـ30 نوعاً مختلفاً من الشعوب والأعراق، وأظهرت النتائج توجُّهاً نحو اختزال حافة الحاجب وقصر القسم العلوي من الوجه، وهي صفاتٌ تدُلُّ بشكلٍ عامٍ على نقصٍ في فعالية التستوستيرون.

هناك العديد من النظريات التي تتساءل عن سبب القفزة البشرية التكنولوجية المفاجئة بعد أكثر من 150 ألف عام من الوجود على هذه الأرض، وهناك أدلةٌ منتشرةٌ تعود لـ50 ألف سنة مضت تثبت صنع الأدوات من العظام وقرون الوعول (نوعٌ من الضباء الماعزيّة)، والصوّان المرقق والمعالج بالحرارة، وأسلحة القذف، وأدوات شحذ الأسلحة (أي سن حوافها لتصبح حادةً أكثر)، إضافةً إلى تجهيزاتٍ لصيد الطيور والأسماك والسيطرة على استعمال النار، ويبقى السؤال: هل كان ذلك التطور مدفوعاً بسبب تحوّرٍ وراثي مفاجئٍ في الدماغ، أم هو تأثير الأطعمة المطهوّة، أم ظهور اللغة، أم نتيجةَ الكثافة السكانية؟

تدّعي دراسة جامعة "ديوك" أن العيش المشترك والتعاون ساهما في تخفيف العدائية وتعزيز التلاؤم والانسجام، وهذا بدوره أدى إلى تغيّرٍ في أشكال الوجوه ومزيد من التبادل الثقافي، ويقول "سيري": "إذا كانت شعوب ما قبل التاريخ قد بدأت العيش بشكلٍ أكثر تقرّباً إلى بعضها البعض وتبادلت تقنياتٍ جديدة، فقد كان من المحتّم عليهم أن يكونوا متسامحين مع بعضهم، ولذا فمفتاح نجاحنا هو القدرة على أن نتعاون وننسجم ونتعلم بعضنا من بعض".


الهوامش:

*التستوستيرون: هرمون الذكورة، يُفرز من الخصيتين عند البلوغ، مسؤول عن إظهار الصفات الذكرية الجنسية الأولية والثانوية بما فيها من صفات شكلية كخشونة العظام والصوت وشعر الجسم، والنفسية بما فيها الصفات العدوانية.

*الابتكار التكنولوجي: يُقصد بالتكنولوجيا هنا كُل تقنية ظهرت جديداً منذ مراحل البشرية الأولى لتسهل للبشر أُمورهم المعيشية، فمثلاً، صناعة بعض أدوات الصيد كانت ثورةً تكنولوجية لأسلافنا من البشر، والتقدمات التقنية اليوم كالحواسيب وغيرها هي قفزات سريعة في مجال التقدم التقني للبشر.

*المستقبلات الخلوية (بما فيها مستقبلات الهرمونات): هي بروتينات نوعية توجد في الأغشية الخلوية، تقوم باستقبال المواد المخصصة لاستقبالها عن طريق الدم، فتستجيب عندها الخلايا لتأثيرات هذه المواد، وفي الحالة الواردة في هذا البحث، نقص مستقبلات هرمون التستوستيرون يعني نقصاً في استجابة الخلايا له، وبالتالي نقصاً في الصفات التي يُبرزها هرمون التستوستيرون.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

مصادر الصورة:

هنا

هنا