الاقتصاد والعلوم الإدارية > ريادة الأعمال

التفسير العلمي وراء كون الفرق الصغيرة أكثر إنجازاً

" حين نتكلم عن العمل، الأكبر لا يعني الأفضل" يوضح لنا جيف بيزوس المدير التنفيذي لشركة أمازون من خلال قاعدة ( فريق فطيرتي البيتزا ) التي وضعها، والتي تقول : " إن لم يكن ممكناً إطعام فريق ما بفطيرتي بيتزا، فذلك يعني أن هذا الفريق كبيرٌ جداً ".

العمل مع فريق صغير ومنسجم هو الحل الأفضل لإنجاز المشاريع الضخمة، فهو ينطوي على ميزات أكثر، و يؤدي إلى التفاعل بشكل أفضل مع العملاء. و من الطبيعي أن يظن أي منا أن الفرق الكبيرة ستقدم نتائج باهرة في العمل، ناهيك عن إنجاز المهام بسرعة. و هو ما أشعرني بالدهشة البالغة حين اكتشفت أن إقحام المزيد من الأشخاص في عمل أو مشكلة ما هو فخ شائع جداً نقع فيه.

نعلم جميعاً الحكمة التقليدية التي تقول إن اثنين من المدراء أفضل من مدير واحد، أو بعبارة أخرى كلما زاد عدد العقول التي تعمل على مشكلة واحدة كان ذلك أفضل. للأسف هذا مفهوم خاطئ تماماً، فالأشخاص العاملون في فرق صغيرة هم الأكثر إنتاجية.

ويمكن توضيح هذه الظاهرة بصورة أفضل عن طريق اختبار شد الحبل للعالم الفرنسي ماكس رينغلمان Max Ringelmann ، حيث يوضح هذا الاختبار بشكل أكبر من أي اختبار آخر الأثر الذي تسببه زيادة أعداد مجموعة العاملين في تخفيض إنتاجيّة العامل الواحد منهم.

ليتبين لنا من خلال هذه الدراسات والتجارب أن زيادة عدد العاملين لا يصب في مصلحة المجموعة، بل يؤدي إلى تناقص شعور الأفراد بالمسؤولية وزيادة صعوبات أداء الأعمال.

تكاليف العلاقات :

و قد أضيف عنصر ثالث إلى فقدان التنسيق المتناغم والدافع الجيد للعمل في المجموعات الكبيرة، فقد قامت عالمة النفس والأستاذة في جامعة سان دييغو جنيفر مولر Jennifer Mueller بكشف النقاب عما يدعى : فقدان العلاقات، ليكوّن العنصر الثالث لانخفاض كفاءة الأفراد في المجموعات الكبيرة.

يظهر هذ الفقدان في العلاقات من خلال شعور الفرد بأن الدعم الذي يلقاه يتناقص دوماً كلما ازداد حجم الفريق الذي يعمل معه، و هذا يشمل الدعم العاطفي، و المساعدة في إنجاز العمل، و التغلب على العقبات والدعم المعلوماتي المقدم لتجاوز المشكلات التي تواجه العامل ، فحين يواجه هذا العامل أيام عمله الأسوأ، تخيل حالته حين لا يجد من يقف إلى جانبه ليعينه في أداء عمله و ليساعده على تخطي ما يواجه من مشكلات.

عمدت مولر إلى دراسة 212 شخصاً من العاملين في عدة شركات يختلف عدد العاملين لدى كل منها ( يتراوح بين 3 إلى 19 ). و بعد أن قامت بتحليل البيانات المستمدة من تقييم الأداء، و سؤال العاملين عن بازدياد حجم المجموعة، تبدأ مختلف المشاكل بالظهور، و ينخفض مستوى الأداء الفردي، و يفقد أفراد الفريق انسجامهم و ترابطهم داخل المجموعة، و لهذا ففي الوقت الذي يزداد فيه إنتاج الفِرق الكبيرة، تكون هذه الزيادة بنسبة أقل من مجموع الجهود الفردية للعاملين.

و مما لا شك فيه أن زيادة عدد الأشخاص يعني زيادةً في كل شيء، في الجوانب الإيجابية والسلبية على حد سواء، لذلك فإن حشد مجموعة كبيرة من البشر وتوظيفهم لمهمة ما – و إن كان يؤدي لزيادة في الموارد – فإنه يتطلب أيضاً جهوداً أكبر لإدارة هذا العدد من العاملين و التنسيق بينهم، و قد تتضاعف هذه الجهود إلى الحد الذي يصبح فيه هذا العدد الكبير عائقاً أمام إنجاز العمل على أكمل وجه، ولتوضيح هذا الأمر سنستعرض ثلاثة أنواع من التكاليف الخفية التي تثقل كاهل فرق العمل الضخمة وهي : تكاليف التنسيق، وتكاليف التحفير، وتكاليف العلاقات.

تكاليف التنسيق :

يقول جي ريتشارد هاكمان J. Richard Hackman عالم النفس في جامعة هارفارد : " عادة ما ينتهي الأمر بالفرق الكبيرة إلى مجرد إضاعة وقت الجميع "، و الأمر الذي وجده ريتشارد أكثر تأثيراً ليس العدد الكبير للأشخاص، و إنما الروابط التي تصلهم ببعضهم و التي تزداد تعقيداً بازدياد عدد هؤلاء الأشخاص، فتكاليف التنسيق تزداد مع كل زيادة في العدد لأن الإدارة هي وظيفة قائمة على التعامل و التنسيق بين الصلات التي تنشأ بين العاملين، وبازدياد هذه الصلات ستبدأ مشاكل التنسيق بالظهور لتعيق أداء الأعمال بصورة ناجحة كما يراد لها.

تكاليف التحفيز :

في الواقع إن مجرد معرفة الشخص بأنه سيعمل في مجموعة مع أفراد غيره سيؤدي إلى إضعاف حوافزه واندفاعه نحو بذل أكبر جهد في العمل ، وهذه الظاهرة تعرف باسم التبطل الاجتماعي (Social Loafing) .

و قد قام بيب لاتان Bibb Latanبإجراء دراسة على تأثير التبطل الاجتماعي على الفرق الصغيرة المكونة من شخصين إلى ثلاثة أشخاص، تم فيها عصب أعين المشاركين و جعلهم يضعون سماعات للأذنين لمنع الضجيج و طلب إليهم أن يصرخوا بأعلى ما يستطيعون، و قد تبين أن المشارك كان يصرخ في المجموعة بصوت ينخفض عن صوته حين يصرخ لوحده.

شعورهم بالدوافع والحافز، و دراسة الترابط و التنسيق بينهم، توصلت إلى أن العلاقات مفقودة بين العاملين أثناء عملهم في مجموعات أكبر، وقد أدى فقدان العلاقات هذا إلى انخفاض ملحوظ في أداء العاملين وإنتاجيتهم الفردية.

طرق مؤثرة لتخفيض الضرر الناتج عن العدد الكبير في مجموعات العمل المختلفة :

1- الإلمام بوسائل الاتصال المناسبة : ينبغي البحث عن طرق و وسائل جيدة ومؤثرة تخفف من تكاليف التنسيق ولا تستهلك كذلك كثيراً من الوقت.

2- تعميق إحساس الفريق بالتناغم: أي كسب ود العاملين وبناء الصلات بينهم والعلاقات معهم بحيث يقلل هذا من شعورهم بعزلتهم ويزيد من دوافعهم وحبهم للعمل وبذل الجهود.

3- مزيد من الشفافية : تساعد الشفافية على تجنب بعض أنواع السلوك مثل التبطل الاجتماعي، أخبر الناس من حولك بما تقوم به، تبادل معهم المعرفة والاطلاع، فسيكون ذلك مفيداً جداً ومساعداً على تشجيع العمل في الفريق .

4- تزويد الأشخاص باستمرار بمعلومات عن العمل : ينبغي أن تعم في المجموعة ثقافة النقاش والتحدث عن العمل ومستجداته وكيفيّة تطويره.

باستطاعتنا في النهاية التغلب على العوائق التي تواجهنا لدى العمل في مجموعات كبيرة الحجم من خلال فتح قنوات للاتصال و المحادثة، و تعزيز الصلات الاجتماعية والعاطفية الداعمة و الهادفة إلى جعل العمل و إنتاجيته بأفضل الصور و أقربها للكمال حتى يتم تحقيق أهداف العمل ونجاحه.

المصدر: هنا

مصدر الصورة :

هنا