الكيمياء والصيدلة > كيمياء

سلسلة الفلور - الحلقة الثانية - ما هو الفلوريد و ما دوره ؟

ما هو الفلورايد وما دوره؟ يأتي الفلور في المرتبة الثالثةَ عشرة من حيث الوفرة على القشرة الأرضية، وهو الشاردة الكيميائية لعنصر الفلورين كما أشرنا في الحلقة الأولى.

يوجد الفلوريد بشكل طبيعي في التربة والمياه وفي بعض الأطعمة والعديد من المعادن مثل الفلورأباتيت و الفلوريت. كما يوجد في مياه البحار والأنهار العذبة، إلا أن الأنهار أو المياه العذبة، في بعض المناطق من العالم، تحوي على نسبة عالية من الفلوريد والتي تؤدي إلى مشاكل صحية عديدة.

جرى أيضاً تصنيع أو تخليق الفلوريد في المختبرات، ويُضاف الفلوريد المُخلَّق عادةً إلى مياه الشرب ومعاجين الأسنان وغَسولات (مضامض) الفم والعديد من المنتجات الكيميائية المختلفة.

ولكن لماذا يُضاف الفلوريد إلى مياه الشرب؟

أظهرت العديد من الدراسات أنه عندما تتم إضافة الفلوريد إلى مياه الشرب، تنخفض نسبة تسوّس الأسنان لدى السكان المحليين. ففي عام 1930 وجد العلماء أنّ نسبة تسوس الأسنان لدى الأشخاص الذين تربّوا في مناطق ذات مياه مُفلوَرة بشكل طبيعي كانت أقل بحوالي الثلثين مقارنة مع أولئك الذين عاشوا في مناطق ذات مياه غير مُفلورة.

ما هو عمل الفلوريد؟ يقال أن الفلوريد يحمي الأسنان من التسوس عن طريق عمليتين:

1- حماية الأسنان من زوال التمَعدُن* الذي يسبّبه الحمض الناتج عن اتحاد الجراثيم الموجودة في الفم مع السكريات (ويؤدي الحمض إلى تآكل ميناء الأسنان).

2- إعادة التمعدُن، حيث أنه إذا كان هناك بالفعل بعض الأضرار التي لحقت بالأسنان بسبب الحمض، فإنّ الفلور يتجمع في المناطق ناقصة التمعدن ويبدأ بعملية تعزيز الميناء.

وبالرغم من مساهمة الفلورايد في منع تسوس الأسنان وجعلها أقوى وأفضلَ صحةً، إلا أنّ فعاليته محدودة إذا ما كانت النخور قد تشكّلت بالفعل. فهو يقوم بدور وقائي أكثر مما هو علاجي.

كيف يعطّل الفلوريد عملية تسوس الأسنان؟

يؤدي الفلوريد عمله هذا عن طريق:

• تغيير بنية الميناء الآخذة بالنمو والتطور، بحيث تصبح أكثرَ قدرةً على مقاومة هجوم الحمض. تحدث هذه التغيرات البنيوية مع تطور ميناء الطفل (أي قبل بلوغ الـ 7 سنوات).

• توفير بيئة لتشكيل نوعية أفضل من الميناء، أشدّ مقاومةً لهجوم الحمض.

• تقليل قدرة الجراثيم الموجودة في طبقة البليك (اللُّوَيحة) على إنتاج الحمض الذي يشكّل السبب الرئيسي المؤدّي لتسوس الأسنان. من يحتاج إلى الفلوريد؟ الأطفال بحاجة للفلور لحماية أسنانهم الدائمة التي هي قيد التشكّل، كما يحتاجه البالغون لحماية أسنانهم من التسوس. إنّ العديد من الناس، وخاصة أولئك المعرضين لخطر التسوّس بنسبة أعلى من غيرهم، يستفيدون من معالجة مياه الشرب بإضافة الفلوريد.

وتشمل هذه الفئة الأشخاص الذين:

• يتناولون الوجبات السريعة بكثرة

• لديهم صحة فموية سيئة

• يصعب عليهم زيارة طبيب الأسنان

•يتّبعون نظاماً غذائياً غنياً بالسكريات/النشويات

• لديهم أطواق تقويمية أو جسور أو ترميمات سنّية في أفواههم

• لديهم تاريخ من النخر السني.

مصادر التعرض الزائد للفلوريد:

• فَلوَرة مياه الشرب

• وجود تراكيز عالية من الفلور في المياه العذبة الطبيعية

• معاجين الأسنان أو غَسولات الفم والتي يمكن للأطفال أن يبتلعوها

• المياه المعبّأة غير المفحوصة

• الاستخدام غير المناسب للمكمّلات الفلورية

• بعض الأطعمة**.

تسمّم الأسنان بالفلور Dental Fluorosis:

إنّ التعرّض المفرط لمستويات مرتفعة من الفلوريد أثناء مرحلة تطور الأسنان عند الأطفال من شأنه التسبّب بظهور خطوط أو نقط بيضاء في ميناء الأسنان، وذلك في الحالات الخفيفة. أما في الحالات الشديدة من التسمّم الفلوري للأسنان، فتكون التغيّرات اللونية والعلامات ذات اللون البني أكثر وضوحاً. وربما زادت خشونة الميناء وصعُب تنظيفُها.

وفقاً لأطباء الأسنان، تكون الفترة الحرجة من التعرض للفلور هي بين 1-4 سنوات من العمر، ويزول الخطر بعد سن الثامنة. وتعتمد شدة الأعراض على عواملَ عدّة منها عمر الطفل ووزنه ودرجة النشاط البدني ونمو العظام والنظام الغذائي والاستجابة الفردية.

تسمم الهيكل العظمي بالفلور Skeletal fluorosis: وهو مرض يصيب العظام نتيجة الإفراط في استخدام الفلور. في الحالات الشديدة، هنالك ألم وضرر كبير للعظام والمفاصل. تؤدي التراكيز العالية من الفلور في الجسم إلى تصلّب العظام ونقصان مرونتها، مما يزيد خطر الإصابة بالكسور. كما أنّ العظام تصبح أثخن والنسج العظمية تتراكم بحيث أنها تُضعِف وتعيق حركة المفصل. يعاني الغالبية العظمى من المرضى في نهاية المطاف من الغثيان، ومن الممكن حدوث تمزّقات في بطانة المعدة. وفي بعض الحالات تتأثر الغدة الدرقية وينتج عن التسمم بالفلور حالة فرط الدُّرَيقات (أي فرط بنشاط الغدد المجاورة للدرَقية hyperthyroidism)؛ حيث يزيد إفراز هذه الغدد بشكل خارج عن السيطرة، مما يؤدي إلى استنزاف الكالسيوم من العظام وارتفاع تراكيزه في الدم عن المجال الطبيعي، وبهذا تغدو العظام أكثر عرضة للكسور نتيجة انخفاض مستويات الكالسيوم فيها.

حجم المشكلة عالمياً: وفقاً لليونيسيف فإن التسممَ الفلوري مستوطن في 25 بلداً على الأقل. ويعتقد أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من تسمم الهيكل العظمي بالفلور في العالم يساوي عشرات الملايين. كما تقدّر منظمة الصحة العالمية أن 2.7 مليون شخص في الصين أصيبوا بالشلل والعجز نتيجة لهذا المرض.

تقول منظمة الصحة العالمية أن المعاناة التي تسببها المستويات العالية من الفلور في المياه يمكن الوقاية منها، على الرغم من أن إزالة الفلور الزائد من مياه الشرب تُعتبر مهمّة صعبة ومكلفة، والحلولُ منخفضةُ التكلفة التي يمكن تطبيقها على المستوى المحلي لا وجود لها.

لم تعطِ جميع الدراسات المتعلقة بفلورة المياه نتائج إيجابية، فقد بينت بعض الدراسات أن الفلور قد يخفض معدل الذكاء IQ عند الأطفال. كما وجد العلماء أن للفلور ارتباطاتٍ بأمراض اللثة. وكانت النساء اللواتي يتجنّبن الفلور أقل عرضة للإصابة بفقر الدم خلال فترة الحمل، كما انخفض خطر الولادة المبكرة لديهن وأنجبن أطفالاً ذوي أوزان أثقل.

ما هو رأي السلطات الصحية و الجمعيات الطبية بعملية الفلورة؟

أقرّت كل من منظمة الصحة العالمية (WHO) والجمعية الطبية الأميركية (AMA) و الجمعية البريطانية لطب الأسنان (BDA) وجمعية طب الأسنان الأميركية (ADA) بأهمية إضافة الفلور إلى مياه الشرب.

أجرت دائرة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة (NHS) دراسة قارنت فيها مستويات تسوس الأسنان بين الأطفال الصغار جداً في المناطق التم لم تتم فيها فلورة المياه بالمقارنة مع الأطفال المقيمين في المناطق ذات المياه المفلورة. فوجد الباحثون أن الأطفال المقيمين في المناطق ذات المياه المفلورة كانت نسبة تسوس الأسنان لديهم أقل بنسبة 60% . وقد وصف رئيس جمعية أطباء الأسنان الكندية فلورة المياه باعتبارها واحدةً من أعظم التدابير الوقائية في مكافحة تسوس الأسنان. و قال أن هناك أدلةً واضحة على أن الفلور يساعد ميناء الأسنان الطبيعية على إعادة التمعدن، كما أن السلطات القضائية في جميع أنحاء العالم تدعم فلورة المياه. ومن المهم أن يفهم الجميع حقائق و فوائد الفلور.

كما أكدت وزارة الصحة والشيخوخة الأسترالية أنه وفقاً لأحدث الدراسات فإن فلورة المياه هي نظام آمن وفعال للناس من جميع الأعمار.


الهوامش: *زوال التمعدُن demineralization: هي العملية الكيميائية التي يتم فيها تحلل القالب العضوي المعدني لبنية السن نتيجة العوامل الكيميائية و الجرثومية و الفيزيائية المختلفة الموجودة في البيئة السنية وستقود هذه العملية حتما الى خسارة النسيج السني أو إصابته بتصدع أو إضطراب شكلي و هي العملية التي تعتمدها جراثيم النخر لأجل تخريب بنية الأسنان أيضاً.

المصادر: هنا