الطب > مقالات طبية

الماريوانا الطبية... هل هي علاج لكل مرض؟ أم للقصة بقية؟

الماريوانا أو القنّب الهندي* Cannabis sativa هو نبات حَوْلِي**، أصله من آسيا الوسطى، استُخدم لأغراض طبية على مدى 3 آلاف سنة على الأقل. تدعى المركّبات الفعالة بيولوجياً الموجودة في النبات باسم الكانابينويدات Cannabinoids، وتمّ تحديد 66 نوعاً منها حتى الآن.

تتفاعل الكانابينويدات مع نوعين من المستقبلات هما: CB1 وتوجد بشكل رئيسي في الدماغ والنخاع الشوكي، و CB2 وهي المستقبلات التي توجد في الخلايا المناعية المختلفة.

يعتبر مركب delta-9-tetrahydrocannabinolوالمعروف بالاختصار (THC)، المادة الأشد فعالية في الماريوانا (الكانابينويد الأكثر فعالية)، حيث يُعتقد أنها قادر على علاج العديد من الأمراض كتشنّج العضلات والزّرَق (الغلوكوما) والروماتزم والغثيان والإقياء وفقدان الشّهيّة والآلام المتنوعة. كما تجري دراسة تأثير ال THC على مرضى السرطان لتخفيف الآثار الجانبية للعلاج، وتقوم بعض المختبرات بالبحث في إمكانية تأثيرها المضاد للأورام.

*زيادة الشّهية:

أظهرت الكانابينويدات مثل ال THC نتائج إيجابية على زيادة استهلاك الغذاء بعد عدة دراسات على الحيوانات وعلى البشر؛ ففي دراسة تقارن بين تأثير المادة الفعالة THC ودواء غير فعال (غُفْل placebo) على الشهية عند مرض السرطان، تبيّن أنّ المرضى الذين تناولوا ال THC كانت شهيتهم وحاسة الذوق لديهم أفضل على الرغم من عدم استهلاكهم لسعرات حرارية أكثر، إلا أنهم شعروا براحة أكبر، إضافةً إلى تحسّن نومهم، مقارنةً بالمرضى الذين حصلوا على الدواء غير الفعّال أو البلاسيبو.

في حين تناولت دراسة أخرى تأثير الكانابينويد THC الصنعي المصرّح به من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA)، المسمّى الدرونابينول dronabinol، لدى مرضى الإيدز، فلوحظ أنهم يتناولون المزيد من الطعام وتحسّنت أوزانهم بالمقارنةً مع المرضى الآخرين الذين لم يتناولوا الدواء. ولكن في دراسة أخرى تقارن بين درونابينول ودواء megestrolالذي يُستخدم عادةً لمعالجة نقص الشهية وفقدان الوزن عند مرضى السرطان، وجد أن الدرونابينول (الكانابينويد الصنعي) لم يعمل بالكفاءة ذاتها كما كان يعمل الدواء التقليدي لدى أولئك المرضى.

كذلك وجدت دراسة أخرى أنّ استنشاق الماريوانا من قبل الأشخاص الأصحاء زاد من رغبتهم في تناول الوجبات الخفيفة، خاصةً الغنية بالمواد الدسمة والسكريات أكثر من استنشاق البلاسيبو (غير الفعال).

الغثيان والإقياء :

قامت عدة دراسات بالتحقق من قدرة الكانابينويدات على الحد من الغثيان والإقياء المرتبطَين بالمعالجة الكيميائية لمرضى السرطان.

في عام 2001 تمّ استعراض 30 دراسة شملت الكانابينويات الصنعية:dronabinol، nabilone levonantradol (درونابينول، نابيلون، ليفونانترادول)، مقارنةً بأدوية غير حاوية على الكانابينويدات (بلاسيبو). فوجدت أنّ مركبات الكانابينويدات وهي المواد الفعالة في الماريوانا كانت أكثر فعالية في التقليل من الغثيان والإقياء. كما كان المرضى يفضّلون استخدام هذه الأدوية عوضاً عن الأدوية غير الحاوية على الكانابينويدات، وكانت آثارها الجانبية محدودة.

تسكين الألم:

في دراسة صغيرة أجريت عام 2010 بجامعة McGill University تضمّنت 21 شخصا بالغاً يعانون من اعتلالات عصبية تالية للصدمة أو تالية للعمليات الجراحية، وقد طُلب إليهم أن يدخنوا الماريوانا 3 مرات يومياً ب 4 تراكيز مختلفة لمركب THC- بحيث يدخن المشاركون بالدراسة الماريوانا من جميع التراكيز الأربعة على التناوب. وجد أن تدخين الماريوانا بتركيز 9.4% قلّلت الألم بشكل معتدل وساهمت في تحسّن النوم مع القليل من الأعراض الجانبية. ولكننا نحتاج لدراسات على نطاق أوسع لتأكيد هذه النتائج.

كذلك وجد باحثون من جامعة كاليفورنيا- سان فرانسيسكو عام 2007 أن مرضى الإيدز الذين يعانون من اعتلال عصبي محيطي والذين دخّنوا الماريوانا انخفض الألم لديهم، مقارنة بالمرضى الذين تناولوا العلاج الزائف (البلاسيبو أو الغُفل).

الزرَق (الغلوكوما):

ينجم الزرق عن زيادة الضغط داخل العين. في حال لم تتم معالجته فإنّه قد يؤدي إلى العمى. تعمل الكانابينويدات بفعالية على تخفيف ضغط العين لأنها تؤدي الى زيادة ضخ الدم إلى العين بسبب خواصها المرخية للأوعية الدموية. وقد أجريت بعض الدراسات منذ سبعينيات القرن الماضي لدراسة إمكانية استخدام الماريوانا في علاج الزرق. إلا أنّ تقريراً صدر عام 1999 من قبل معهد الصحة، خلص إلى أنه بالرغم من قدرة الماريوانا والكانابينويدات التي تحويها على تخفيض الضغط داخل العين، إلا أنّ التأثير مؤقت لمدة قصيرة (ساعات قليلة) ويتطلب جرعات عالية جداً، إضافة إلى الآثار الجانبية العديدة التي تمنعنا من إعطائه لمرضى الزرق مدى الحياة. فالتأثيرات الضارة للتدخين طويل الأمد للماريوانا ترجح على الفوائد التي قد يجنيها المرضى من ذلك.

الصرع :

توجد حتى الآن دراسة سريرية واحدة نُشرت فقط على البشر، تمّ إجراؤها عام 1980 وتضمنت 16 مشتركاً، بيّنت فعالية الماريوانا في علاج الصرع، حيث أنّ نصف المشاركين الذين تلقوا العلاج بمادة cannabodiol (المشتقة من الماريوانا) توقفت لديهم الاختلاجات بشكل تام تقريباً طوال مدة الدراسة، وأبدى 3 أشخاص آخرين بعض التحسّن، في حين تحسنت حالة مريض واحد فقط ممن تلقوا العلاج الزائف (البلاسيبو).

كذلك حدّدت الدراسات قبل السريرية التي قامت بها جامعة Reading البريطانية أحد المركبات في نبات الماريوانا، الذي يبشّر بمؤشرات إيجابية لعلاج الصرع حيث يساعد على التقليل من حدوث الاختلاجات (نوبات الصرع)، وليس له الكثير من التاثيرات الجانبية. وتنوي شركة أدوية بريطانية البدء بتجارب سريرية على أحد الكانابينويدات التي ليس لها تأثيرات نفسية الموجودة في النبات، لدراسة فعاليته في علاج الصرع.

توتر وتشنج العضلات:

قد تكون الماريوانا قادرة على الحد من تصلب العضلات وتشنّجها ولكن وللأسف كانت النتائج متضاربة.

ففي دراسة أجريت عام 2001 في بريطانيا تضمّنت 630 مريضاً بالتّصلب العصبي المتعدد MS وُجِدَ أنّ الماريوانا أو المشتقات الفمويّة لم تخفف من الآلام والتشنّجات. وبناءً على ذلك قامت دراسة أخرى للتحقق من أداء دواء الدرونابينول في التخفيف من تطوّر التصلب المتعدد ولكن لم تظهر النتائج أي مؤشر إيجابي.

وفي عام 2013 أجريت دراسة أخرى تضمّنت 400 مشترك من مرضى التصلّب المتعدد، فوجد أنهم قد تحسّنوا عند تلقيهم العلاج بالماريوانا بنسبة الضعفين مقارنة بالمجموعة التي لم تتلق العلاج الفعال (مجموعة الدواء غير الفعال أو البلاسيبو). وهكذا تبقى النتائج متضاربة، مما يجعل الأطباء غير متأكدين من أنّ فوائد الماريوانا تفوق آثارها الجانبية في هذه الحالات.

أمراض المناعة الذّاتية :

تقترح دراسة حديثة على القوارض أنّ المادة الفعالة THC قادرة على كبت أو تثبيط جهاز المناعة، عبر إجراء تغييرات في التعبير الجيني دون أن تؤثر على تسلسل الحمض النووي (تغييرات فوق مورّثية لا تطال ال DNA مباشرة)، مما يزيد احتمالية استخدامها لعلاج أمراض المناعة الذاتية كالروماتيزم والتصلّب المتعدد.

ولكن ما زال الوقت مبكراً للجزم بقدرة الماريوانا على معالجة هذه الأمراض، فهناك أسئلة بحاجة إلى إجابة أولاً، منها مثلاً: ما هي مدة تأثير ال THC وهل ستكون مدة كافية؟ أيضاً، ألن يسبب تأثير THC المثبط لعمل المورّثة الكابتة للأورام التي تدعى BRCA2 إلى حدوث السرطان عند المريض؟

هل تتمتع الماريوانا بخواصّ مضادة للأورام؟

قد يكون للماريوانا العديد من التطبيقات الطبية الممكنة، وإنّ الدراسات المخبرية والتجارب على الحيوانات جاءت ببعض النتائج المبشّرة فيما يتعلّق بعلاج السرطان. ولكن السرطان ليس مرضاً واحداً، وقولنا بأن الماريوانا هي "شفاء للسرطان" هو قول خاطئ، نظراً للنتائج المتضاربة بهذا الشأن، ولحقيقة كون الدراسات المتعلقة بخواصها المضادة للأورام لم تطبّق على البشر بعد.

ختاماً : الماريوانا نبات رائع، تجري أبحاث عدة حول العالم لدراسة إمكانية استخدامه لأغراض طبية، ولكن قبل أن نتمكن من القول أن الماريوانا الطبية مفيدة لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض يجب إجراء العديد من الدراسات على الإنسان؛ إذ إنّ التجارب على الحيوانات وفي المختبر لا تكفي لإثبات ذلك.

الهوامش:

*الماريوانا= القنب الهندي= الحشيش

**نبات حولي: أي يكمل دورة حياته، من الإنتاش إلى تكوين البذور، خلال سنة واحدة ثم يموت.

المصادر: هنا

هنا

مصدر الصورة: هنا