الفيزياء والفلك > فيزياء

برج الحمام الكمومي: مفارقة جديدة في الفيزياء الكمومية

خلال العقود الماضية، عانى طلبة الفيزياء – بمن فيهم نحن في المبادرة- من فهم نتائج ميكانيك الكم ومفارقاته المعاكسة لتوقعاتنا والشديدة الغرابة. وأشهر هذه المفارقات هي "قطة شرودنغر"، حيث تكون القطة حية وميتة في نفس الوقت، عاكسةً بذلك الواقع الكمّومي بأنه يمكن للجسيمات أن تأخذ حالتين كموميتين في نفس الوقت.

مؤخرًا قام جيف تولاكسين من جامعة تشابمان بكاليفورنيا وزملاؤه في عدة دول أخرى بطرح سيناريو آخر غريب سمّوه "تأثير برج الحمام الكمومي". تبدأ المفارقة عندما يكون لدينا ثلاث حمامات وبرجي حمام، من المنطقي جداً توقع أن تشغل حمامتين على الأقل برجاً واحداً، ولكن حسب تحليل فريق العلماء الجديد، فإنه من الممكن كمومياً أن لا نجد أكثر من حمامة في كل برج.

القياسات اللا حتمية:

الفيزياء الكلاسيكية حتمية، بمعنى أنه لكي تتبع سلوك جملة متحركة، كل ما عليك معرفته هو الظروف الابتدائية وقوانين الفيزياء، أي معرفة الحالة الابتدائية تكفي لمعرفة الحالة النهائية. ولكن في عام 1964 اكتشف ياكير اهارونوف أنه يمكن في ميكانيك الكم اختيار حالة ابتدائية وحالة نهائية مستقلتين عن بعضهما.

يترأّس أهارونوف حالياً مع تولاكسين فريق البحث الذي توصل للتناقض الجديد، حيث استخدموا التأثير أعلاه -عدم الترابط بين الحالات الابتدائية والنهائية- وغيرها من التأثيرات الكمومية ليضعوا فرضية تأثير برج الحمام الكمومي. فقد بينوا أن هذا التأثير يظهر عندما يقوم مراقب بسلسلة من القياسات أثناء محاولته وضع ثلاث جسيمات في حجرتين أو مكانين. ولكن المعادلات الرياضية بيّنت أنه لو قمنا في منتصف عملية القياس بالبحث عن مواضع الجسيمات الثلاثة في وقت واحد فستتصرف الجسيمات كأنها لا تتأثر ببعضها اطلاقًا في حين أنه في حال وجود جسيمين في نفس الحالة (كتشبيهنا لوجود حمامتين في نفس الصندوق) عندها سيتأثران ببعضهما وهذا ما تضمن المعادلات أننا لن نراه.

مريب وعميق

إن تبعات هذه التجربة أو الظاهرة هي تتمة لمفارقة أينشتاين- بودولسكي - روزن الشهيرة لتوضيح أحد مفارقات ميكانيك الكم حيث يمكن لجسيمين مرتبطين ببعضهما كموميًا (فيما يسمى التشابك الكمومي) أن يتبادلا التأثير مع بعضهما عبر مسافات كبيرة بشكل أسرع من الضوء مما يتعارض مع النسبية الخاصة وذلك ما دعى آينشتاين لتسميته بالتأثير الشبحي عن بعد. فعملية القياس لأحد الجسيمين ستؤثر آنياً على عملية قياس الجسيم الآخر.

تعد هذه من أعمق الاكتشافات التي تؤثر على فهمنا للمعلومات ولأسس فيزياء المادة –كما يقول تولاكسين- وتمثل تجربة برج الحمام الكمومية بشكل ما مفهوماً جديداً ومكملاً للتشابك الكمومي. فالثلاث جسيمات في هذه الحال بدل أن يتصرف أثنين منها كأنهما تأثرا ببعضهما البعض سيتصرفان بصورة مستقلة كأنهما لا يتبادلان التأثيرات رغم مرورهما في نفس الحالة كما توضح التجربة التالية.

الحمامات الإكترونية:

لتأكيد الاستنتاج الذي توصلوا إليه اقترح الفريق تجربة يتم فيها تمرير ثلاث إلكترونات من خلال مقياس تداخل وهو عبارة عن فاصل لمسارات الإلكترونات، حيث يفصل بينهم ثم يعيد جمع مساراتهم مرة أخرى. وبما أنه يوجد مسارين وثلاثة إلكترونات، فإنه من المتوقع عادة أن يمر إلكترونان من نفس المسار، وذلك بالطبع سيُحدث تفاعلاً فيما بينهما –تنافر بسبب الشحنة- ممّا يحرف مسارهما قليلاً. ثم سيرصد العلماء هذا الانحراف عن المسار عندما تلتقي الإلكترونات مع بعضها مرة أخرى. ولكن حسب تأثير برج الحمام، لن يمر إلكترونان من نفس المسار، بالتالي من المتوقع عدم رصد أي انحراف عن المسار. لم يقم العلماء بالتجربة بعد، ولكن من المتوقع إجرائها عما قريب.

ويعبر لينارد ساسكيند من جامعة ستانفورد أن النتائج في هذه الحالة ستكون مدهشة و في حال تم تأكيد هذا التأثير تجريبياً سيكون خطوة هامة في فهمنا للارتباط الجسيمات ببعضها كمومياً.

المصدر:

هنا

البحث المنشور على Arxiv:

هنا