التاريخ وعلم الآثار > حضارة اسلامية

البيروني.. العالم الموسوعي

مساؤكم معطّر بورودِ العلم والمعرفة

أبو ريحان محمد بن أحمد اسمي والبيروني لقبي، أبصرتُ نور الحياة في عام 973 ميلادي بمدينة كاث في إقليم خوارزم وهي منطقة مجاورة لبحر آرال لأقضيَ أولى سنوات حياتي متنقلاً بين مدينتي كاث وجورجانيا، ولمن لا يعلم منكم يا أعزائي فإنّ هاتين المدينتين هما أكبر مدن إقليم خوارزم.

بدأتُ في سن مبكرة أنهلُ من بحر العلم والمعرفة على يد معلمي وأستاذي الفلكيّ وعالمُ الرياضيات المشهور أبو نصر المنصور ولاح فجرُ نبوغي بمُقتبلِ العمر فقمتُ بسن السابعة عشرة بحساب خطّ العرض في مدينتي كاث بمراقبة أعلى ارتفاع للشمس فيها.

قضيتُ أولى خمسٍ وعشرين عاماً من حياتي في خوارزم ودرستُ فيها مختلف العلوم من الفقه والقواعد والرياضيات والفلك والطب وفي نهاية القرن العاشر اندلعت الحرب الأهلية في بلدي مما اضّطرني للذهاب من منطقتي والتنقل بين البلدان فمرةً في الري وأخرى في غرغان لِأعود مرةً أخرى لوطني في عام 1004م حيث قام أبو العباس مأمون حاكم خوارزم في تلك الفترة بتقديم الدعم الكبير لبحوثي وأعمالي العلميّة، وكم كانت المفاجأة رائعة عندما علمتُ بأنّ العالِم الذي عيّنه أبو العباس مأمون ليكون شريكي في الأعمال والبحوث هو معلمي القديم أبو النصر منصور. فقمت آنذاك ببناء جهازٍ في جورجانيا لمراقبة عبور الزوال الشمسية فسجلتُ باستخدامه خمس عشرة عمليةَ مراقبةٍ خلال عام 1016ميلادي

كما قمتُ بمجال الفلك أيضاً بترتيب مراقبة الخسوف مع أبي الوفاء الذي كان في بغداد، حيث قمت بمراقبة التوقيت لكلا الخسوفين وحساب فرق خطوط الطول بين مدينتي بغداد وكاث، كما وضعتُ كتاب "التفهيم لأوائل صناعات التنجيم" وهو كتاب في الرياضيات وعلم الفلك بأسلوب السؤال والجواب، كما وضعتُ كتاباً في الطب أسميته "الصيدلة" وتناولتُ فيه أهم أنواع العقاقير والأدوية وقانون المسعودي وهو موسوعة شاملة في علم الفلك والجغرافيا والهندسة، ولي كتابٌ بعلم الأرض أسميته " الجماهر بمعرفة الجواهر " والذي تناول الجيولوجيا والمعادن والأحجار الكريمة، كما وضعت كتاباً تاريخياً لمدينة خوارزم ووضعت دراسةً لمقارنة التقاويم من مختلف الثقافات والحضارات المتداخلة مع المعلومات الرياضية والفلكية والتاريخية عُرفت باسم "الآثار الباقية عن القرون الخالية "، ولي كتابٌ في الإسطرلاب وكتابٌ تاريخيٌّ ملخصٌ وكتابُ تاريخ محمود الغزنزوي ووالده وتُعدُّ النسخة الفارسية لكتابي التفهيم واحدةً من أهم أعمالي العلمية باللغة الفارسية وتُعدّ مصدراً غنياً للنثر الفارسي والمعاجم.

وفي عام 1017ميلادي ذهبتُ إلى غزنة ليُعيّنني محمود الغزنوي منجّمَ البلاط وأرافِقَه فيما بعد في غزواته بالهند لأطّلع على حضارة الهند وأتعلم السنسكريتية فقمتُ بوضع كتاب " تاريخ الهند"، كما قمتُ بدراسة نقديّةٍ لما تعطيه الهند عُرفَتْ باسم "انديكا" أو تحقيق ما للهند من مقولةٍ معقولةٍ في العقل أو مرذولة ولي دراسة أخرى لخلاصة الدين والفلسفة في الهند .

وفي عام 1048 ميلادي وافتني المنية في غزنة تاركاً ورائي زَخَماً ضخماً من الأعمال والمؤلفات في مختلف العلوم لتبقى نبراساً لكل باحث وعالم جاء من بعدي .

أنا البيروني، وكتب العلم والحضارات تشهد فجر علومي

فمتى تعود حضارتنا لما كانت عليه؟