التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

أوربّا من جحور الظلمة إلى أنوار النهضة

عندما نذكر حجرة الترجمة في العصور الوسطى يتبادر الى أذهاننا غرفة غارقة في السكون تحوي عدداً من المترجمين بردائهم الفضفاض المميّز، منهمكين في ترجمة المخطوطات القديمة، هذا الوصف يليق بالعصر الوسيط في انكلترا ولكن لا يوجد أدلة كافية تدعم ذلك في البلدان الأنجلو ساكسونية أو يُعيد عصر الفتوحات الأوروبية .

حجرة الترجمة :

مرت بمراحل عديدة عبر الزمن فقد تراوحت من غرفة واحدة يعمل فيها كاتبان على أكثر من مخطوطة -الشكل البسيط و الأكثر انتشاراً- إلى بناء منفرد يحتوي عدداً من الكتبة ضمن بنية منظمة و متعاونة لإنتاج المخطوطات في القرن الحادي عشر حيث خصص St Albans غرفة خارج الدير في كنيسة رئيس الدير حيث بإمكان الكتبة العمل دون ازعاج الرُهبان و الحصول على ما يكفيهم لسد رمقهم. و لقد تمّ توثيق أسماء حجرات الترجمة في المخطوطات و من عمل فيها.

في بدايات القرن الحادي عشر خُطّ في هذا الدير أقدم سجلات الأراضي التي وُجدت في انكلترا ، وعن طريق جمع الوثائق في مخطوط واحد أمّن الدير حفظ و تنظيم أملاكه، حيث رُتبت الأراضي ضمنه وفق ترتيب جغرافي بحسب المنطقة باتجاه واحد. فقد كُتب هذا المخطوط من قبل خمسة كتبة عمٍلوا بنفس الوقت في فترات عمل طويلة و بنفس نظام الكتابة .

بعد خمسين عاماً تقريباً تمّ انتاج سجل آخر للأملاك، ونُسخ إلى انجيل المدينة خوفاً عليها من النسيان ، و" يقال أن :

"Enucleatio libelli أسقف المدينة أمر في تلك المرحلة الحفاظ على السجلات فطلب نسخ مخطوط آخر من

حتى الآن لم تبقى إلا أجزاء من هذا المخطوط لكنها كافية معرفة كيفية كتابة المخطوط ؛ قام أحد الكتبة بوضع تصميم المخطوط و كتابة عنوان كل نص باللون الأحمر، ثم قام آخران بكتابة النصوص الأساسية وبعدهما قام آخر قام آخر بإجراء تعديلات صغيرة على العناوين .

يدل هذان المخطوطان على وجود غرف كتابة مخطوطات فعّالة في وورسيستر تحتوي على كتبة مخطوطات بمهام محددة ومتكاملة. وتدل انتاجيتهم العالية على أنهم لم يكونوا مضطرين للتوفيق بين عملهم هذا وأعباء أخرى.

كما تظهر دراسة مجموعة مخطوطات أخرى، تعود للقرن الثاني عشر في مالزبيري، على ظهور مجموعة مختلفة من غرف كتابة المخطوطات، قام بالعمل عليها ٥٤ كاتب مخطوطات، من بينهم المؤرخ والإخباري ويليم القادم من مالزبيري (مابين ١١١٥ وحوالي ١١٤٠ للميلادية). وقد تمت كتابة هذه المخطوطات برغبة من رئيس دير مالزبيري ،غودفري القادم من جومييج (ما بين ١٠٩٠ و ١١٠٥ للميلاد)، بإنشاء مكتبة تحتوي على كل الكتب المهمة التي على الدير امتلاكها. ومع أن العديد من الكتب كان قد بدأ بكتابتها ونسق العمل فيها ويليم نفسه، إلا أن معظم العمل ككل قد أُنجز على يد عدة كتبة.

ولكن مواهب هؤلاء كانت متنوعة، فقد كان لدى ويليم ثلاثة مساعدين مدربين بشكل جيد، إلا أن قدراتهم كانت محدودة، فلم يكونوا كتبة مخطوطات مكرسين دائماً للعمل. إذ كانوا يعملون لبره متقطعة، ليكتبوا بضع صفحات، بل بضعة أسطر في بعض الأحيان، فيعودون ليكملوا عملهم لاحقاً.

ويبدو أن ويليم كان يستعين بأي راهب كان راغباً بنسخ مقطعٍ نصي، وقادراً على حشر هذا العمل بين واجبات وأعباء الرهبان. وقلة هم من كانوا يفعلون هذا حقيقة.

كما تعطي المخطوطات في سالزبيري صورة مماثلة، كما يكشف لنا عمل تيريزا ويبير من جامعة كامبريدج. فبعد ما فتح ويليم الفاتح انجلترا وكجزء من إعادة بناء الكنيسة الإنجليزية قرر الأسقف هيرمين القادم ابن شيربيرن ورامزبيري نقل مقعده لساروم القديمة، الواقعة شمال كاتدرائية سالزبيري الحالية. وبينما كانت الكاتدرائية قيد البناء، بدأ أوزموند (ما بين ١٠٧٨ وحتى ١٠٩٩ للميلاد)، خلف الأسقف بناء مكتبة. وقد نتج عن هذا إنتاج خمسين مخطوطاً خلال فترة الخمسين عاماً، وهي فترة قصيرة نسبياً.

وكما هو الأمر في مالزبيري، فقد عمل عدة كتبة مخطوطات خلال فترات زمنية قصيرة. إذ نستطيع أن نرى أيادٍ لثمانية كتبة على مخطوط واحد، يكمل بعضهم عمل الآخر في منتصف الجملة أحياناً. يتصف هؤلاء الكتبة بكونهم أكثر تدريباً بكثير من أولئك الكتبة في مالزبيري، كما يبدو أنهم قد أُحضروا من أماكن مختلفة ليشكلوا طاقم عمل الكاتدرائية الجديدة، فأحضروا معهم أساليب جديدة متطورة مما أنتج مكتبة لم تتحلى بالتجانس. وقد تم التعرف على خط أحد الكتبة على أنه المدير، فكان يبدأ الصفحات بنفسه ليعلم البقية كيف عليهم أن يعملوا، كما كان يصحح أخطاء الآخرين، فيشطب كلمات أو يضيف أخرى ما بين السطور. كما تظهر بعض المخطوطات الأخرى أن راهباً يمكن أن يبدأ بالعمل دون أن يملك القدرة على إنهائه، وقد يعود هذا لواجبات وأعباء أخرى، أو ببساطة لملل كان يصيبه، فيترك العمل، ليأتي غيره فيكمله.

وتظهر كل هذه المخطوطات أن غرف كتابة المخطوطات في انجلترا القرون الوسطى لم تكن تشابه إحداها الأخرى. فقد كان إنشاء واحدة منها مبنياً بشكل أساسي على الحاجة والمتطلبات التي كان يتصف بها كل مركز، وكانت تتطور وتتكيف بما يناسب الحاجات فيه. كما أن كتبة المخطوطات كانوا يستقدمون من أي مصدر كان يلبي احتياجات المجتمع الذي يطلبها. ومع أننا لا نملك معلومات كثيرة عن شكل تلك الغرف ومواقعها، إلا أننا نستطيع أن نكتشف بعض خبايا حياتهم اليومية بدراستنا لعملهم عن قرب.

المصدر:

هنا