علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

البوتوكس لإزالة التجاعيد و... الاكتئاب!

استمع على ساوندكلاود 🎧

إذا كنتَ من الذين يتسم وجههم بالعبوسِ الدائم، فمن المحتمل أن تشعر بقدر ما من الألم أو عدم الراحة على الأقل، لأنك عملياً تُسَخِّر من عضلاتِ وجهك لكي تمنحه هذا العبوس، أكثر بكثير من العضلات اللازمة لابتسامة مشرقة! وغالباً ما يتناب الإعياءُ وجهك، فهو حرفياً مشدود نحو الأسفل بالحِمل الذي اخترت أن تخضعه له. كما يحتمل جداً ألَّا تكون شخصاً سعيداً ما يتوافق مع العبوس الذي تعاني منه.

ولكن..هل أتى العبوس من الاكتئاب؟ أم أن الاكتئاب هو الذي يولد العبوس؟

تشيرُ مقالة نُشرت حديثاً في مجلة 'Journal of Psychiatric Research' إلى أن دراسةٌ عشوائية مبنية على دواء وهمي* (الشرح في نهاية المقال) أظهرت بأن حقن البوتوكس الموجهة لشلِّ عمل العضلات الوجهية المسؤولة عن العبوس كانت فعالة قي التخفيف من وطأة الاكتئاب السريري.

فمن بين 33 مريضاً توافق حالتهم معايير 'DSM-IV' (وهو الدليل التشيخصي الرابع للاضطرابات النفسية) تراجعت لدى 17 مريضاً (52 بالمئة) منهم ما لا يقل عن 50 بالمئة من الأعراض الأساسية لتقييم الاكتئاب بعد ستة أسابيع من المعالجة بالمقارنة مع ستة مرضى من أصل 41 من الذين تلقوا الدواء الوهمي.

زد على ذلك بأن الهجوع السريري للاكتئاب قد تم الوصول إليه لدى 27 بالمئة من مجموعة المرضى التي تلقت حقن البوتوكس بالمقارنة مع 7 بالمئة فقط من المجموعة التي تلقت الدواء الوهمي.

ورغم كون هذه النتائج ليست جديدةً تماماً، إلا أن أهميتها تأتي من كونها تؤكد ما جاءت به دراسة سابقة نُشرت في المجلة ذاتها عام 2012 أظهر فيها مرضى يعانون من تجاعيد ملحوظة و اكتئاب معند -رغم العلاج التقليدي- تحسناً ملحوظاً وانخفاضاً في نسبة الاكتئاب بعد تلقيهم لحقن البوتوكس وذلك بالمقارنة مع مجموعة الدواء الوهمي.

لكن الدراسة الأخيرة كانت أكثر قوة فقد فاقت سابقتها بكل من عدد الافراد المشاركين، وتنوع حالاتهم السريرية، ووضوح تراجع اعراض الاكتئاب لديهم: فقد شارك في هذه الدراسة 85 مريضاً يعانون من الاكتئاب الكبير الذي تم تشخيصه وفق معايير سريرية ثابتة كمعيار 'مونتغمري آسبيرغ' ومعايير اخرى.

وبهذا أصبح لدى كل من الباحثين، والمرضى الذين يعانون من الاكتئاب، ومحبي حقن البوتوكس دراستان تقدمان الدلائل على أن تعابير الوجه تؤثر على المزاج. وبتذكر الدراسات السابقة التي وجدت بأن الابتسامات القسرية قد تؤدي إلى تحسن ذاتي بالمزاج، يمكننا الان وعلى نفس المبدأ الحصول على تأثير مشابه ببساطة عن طريق شل العضلات المسؤولة عن التعبيرات غير السعيدة. حيث يتم حقن البوتوكس في العضلات الناحلة والمغضنة الوجهية.

وقد قام أطباء جلدية بتحليل مظهر التجاعيد على وجوه المتطوعين اعتماداً على صور فوتوغرافية قدمها فريق الدراسة، وقاموا بتقييمها اعتمادأ على مقياس معياري لدرجة العبوس، قبل وبعد المعالجة. وفي أقل من ثلثي الحالات كان لوجود أو غياب تغير ملحوظ في هذا المقياس علاقة مع تحسن الاكتئاب السريري أو عدمه.

وفي خلاصة عملهم قام الباحثون بتعريف عدة فوائد للبوتوكس كعلاج للاكتئاب:

• التزام أفضل بالمعالجة.

• اقتصادي بالمقارنة مع الأدوية النفسية الحديثة.

• قلة التداخلات الدوائية.

• امن.

ومع ذلك فإن هناك الكثير من القيود التي تحد من هذه الدراسة، إذ أن أكثر من 90 بالمئة من المشاركين كانوا سيداتٍ مما يجعل تأثير هذا العلاج على الرجال محط تساؤل في هذه المرحلة، والأسابيع الستة التي هي مدة إجراء الدراسة تضع استمرارية تأثير مضاد الاكتئاب موضع الدراسة والتساؤل، كما أن تسعة أيام كانت الحد الفاصل بين تقييم حالة اكتئاب المشاركين والعلاج وبالتالي قد لا تكون الدراسة قد وثقت الحالة العاطفية والانفعالية الصحيحة لكل مشاركٍ على حدة.

لا أستطيع إلا أن اتعجب من مقدار السعادة التي قد تغمرني عند رؤية تجاعيدي قد قلت بعد حقنة بوتوكس، ألا يمكن أن يكون هذا الأثر الجانبي لحقن البوتوكس هو الظاهرة المسؤولة عن سعادة أولئك المشاركين بالدراسة؟


هامش: الدراسات المبنية على دواء وهمي هي نوع من الدراسات المستخدمة في تقييم ادوية معينة. حيث يتم اختيار مجموعتين: تعطى المجموعة الاولى الدواء الفعلي المراد اختبار فعاليته، بينما تعطى المجموعة الاخرى دواء عديم المفعول اي وهمي (يعرف باسم "بلاسيبو") يكون غالبا على شكل محاليل ملحية.

هدف هذه الدراسات هو رصد ما يسمى "بمفعول البلاسيبو" وهو مجموعة التأثيرات التي لا علاقة لها بالدواء الفعلي انما تنتج عن ظروف وهمية كظن الخاضع للتجربة بأنه قد تناول الدواء، وتوقع مقيمي التجربة نتائج معينة مبنية على ذلك الدواء.