الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

البيئة والمجتمع وحلم الاستدامة المعلق بملاعب كأس العالم

بعيداً عمّن فاز أو خسر، هنالك إجماع على فشل كأس العالم 2014 في تحقيق أهدافه البيئية السامية، ولو أنه نبهنا إلى إمكانية استثمار الأحداث الرياضية العالمية في معالجة الظلم الاجتماعي.

افتــُـرض بالكأس أن يكون "البطولة الخضراء" أي صديقاً للبيئة أكثر من أي وقت مضى فالحدث جرى في البلد الوطن لنهر الأمازون والمصنف الأول عالمياً بتنوعه البيولوجي الأمر بالغ الأهمية في آلية استجابة العالم للتغير المناخي. للأسف وبدلاً من ذلك أصبحت البطولة الخضراء نقطة سوداء من الظلم الاجتماعي.

منذ دورة ألعاب سيدني الأولمبية عام 2000 حاولت معظم المناسبات الكبرى الرياضية الدولية تسويق نفسها على أنها مستدامة بيئياً ولكن العديد من العلماء والخبراء يتفقون على أن أياً من الأحداث الرياضية لم يحقق هذا المطلب على المدى الطويل بسبب وجود آثار كربونية كبيرة (انبعاثات) وبسبب الاحتياجات البنائية العملاقة. ومع وجود أولويات أخرى أدت إلى تنحية الوعود الخضراء جانباً في معظم الأحيان برز التساؤل: هل كان الهدف واقعياً منذ البداية ؟!

بالنظر إلى حال البرازيل نجد اقتصاداً مخترقاً وبرازيليين ساخطين على مشروع القانون الأغلى لكأس العالم من أي وقت مضى. ناهيك عن رائحة الفساد التي تفوح منه بالتزامن مع انحدار الخدمات العامة كالصحة والتعليم والإسكان. أما الآثار البيئية فهي تقبع في أسفل قائمة المظالم.

ما هي معايير الاستدامة؟

سعى كأس العالم 2006 المقام في ألمانيا لأن يكون محايداً بشأن انبعاثات الكربون (لا يزيدها ولا يحد منها). إذ استخدمت بطاقات حضور المباريات لوسائط النقل العام في نفس الوقت (لتوفير الورق). اشتغلت الملاعب أيضاً بالطاقة الشمسية واستخدمت كخزانات لجمع مياه الأمطار كما وزودت بمواقف مجانية للدراجات. قدم أولمبياد بكين في 2008 أيضاً تكنولوجيات بيئية جديدة مع اصلاحات بيئية على المستوى الوطني. عززت الألعاب الأولومبية في لندن 2012 معايير الاستدامة مع تركيزها على الاجراءات التي يمكن تبنيها مستقبلاً في الأحداث الرياضية الضخمة.

نرى من ذلك أن الطموحات الجماهيرية حول تحقيق الاستدامة في هذه الأحداث آخذة في الاتساع وهي تشمل اليوم ليس فقط انبعاثات الكربون وضوابط التلوث وإعادة التدوير ولكن، اعتبارات العدالة الاجتماعية. وقد أثبت كأس العالم 2014 من بين الأحداث الرياضية الضخمة أن الوصول للاستدامة لا يزال بعيد المنال. إن أشكال التنمية التي حدثت في البرازيل والمتصلة بكأس العالم لم تلاق ما يعتبره معظم الناس مستداماً من الناحية المادية أو الاجتماعية.

ثانوية الغذاء والسكن والتعليم:

باتت الرياضة، المناسبة الكبرى شديدة الكلفة والتي تركت القليل القليل من الموارد لسد احتياجات الفقراء والطبقة الكادحة. وهنا أصبحت الاستدامة مطلباً ثانوياً أمام الغذاء، التعليم، والنقل العام.

أعلنت الفيفا استراتيجية للاستدامة قبل عامين في مؤتمر للأمم المتحدة للتنمية المستدامة في ريو دي جانيرو (RIO +20) وتضمنت منح شهادة LEED الخضراء للمباني والملاعب، لكن الاحتياجات المرتبطة بكأس العالم التي اجتاحت البرازيل تؤكد التناقض مع الالتزامات البيئية المستدامة للفيفا. بالإضافة إلى الغضب الشعبي العارم إزاء عدم الاستثمار الاجتماعي طويل الأمد.

للأسف .... كانت القضية البيئية غائبة تماماً عن الاحتجاجات:

كان برنامج الفيفا الأخضر مقتصراً على الملاعب الـ 12 المنتشرة في أنحاء البلاد حيث ستقام المباريات. لكن جميع الأشياء الأخرى تعارضت مع معايير الاستدامة حتى التقليدية والأساسية منها ومن ذلك: الانبعاثات الناتجة عن السفر جواً - الاعتماد على سيارات الأجرة العاملة بالوقود - التنقل من وإلى المطارات وبين المدن وغياب نظام النقل العام الجيد. سبب عدم وجود استثمارات كبيرة في البنية التحتية العامة الأساسية بغضب شعبي عارم.

رغم أن الفيفا انتهجت خلق برامج اجتماعية في المجتمعات التي ستعقد فيها المباريات، إلا أن هنالك شكوكاً فيما إذا كانت هذه الجهود قادرةً على إنتاج هذا النوع من الفوائد على المدى البعيد.

هنالك رغبة بالاستدامة لكن لا نتائج إيجابية فما السبب؟

يميل النهج المستدام في الأحداث الضخمة ليكون أكثر ارتباطاً بالمنظمين والنخب المجتمعية التي تسعى فقط لإبهار الجماهير ولكنها لا تجد حلولاً للتحديات الاجتماعية على المدى الطويل. وفي البرازيل الأمثلة كثيرة:

مثلاً: احتفت الفيفا بميزة الألواح الشمسية والحفاظ على المياه والحد من النفايات وميزات أخرى جديدة في ستاد São Paulo الذي كلف 420 مليون دولاراً أيضاً كلفت التحديثات في ستاد ماراكانا Maracanã (أسطورة ريو) 500 مليون دولار. لكن ماذا وراء ذلك؟ تم في الوقت نفسه طرد السكان من الأحياء الفقيرة في ريو فافيلا وقام 5000 من القاطنين ببناء مخيم قرب ساحة São Paulo احتجاجاً على افتقار المدينة لمساكن بأسعار معقولة.

مثال آخر: تأخر إكمال الخط الأول من القطار الكهربائي بين ضواحي ساو باولو والمخصص لنقل الزائرين من المطار بسلاسة مع الحد من التلوث والازدحام المروري مسبباً اختناقاً، مع وجود خطة لبناء خطوط أخرة دون جدول زمني واضح.

أيضاً: ضم الستاد الجديد الحاصل على شهادة LEED الخضراء في ماناوس Manaus في عمق الأمازون أحدث أنظمة التدفئة والتبريد الموفرة للطاقة ولكن تم التخلي عن خطط تزويد الملعب كاملاً بالطاقة الشمسية في ظل تأخر تنفيذ خطة البناء.

شكك البرازيليين أيضاً في جدوى تكلفة بناء الملاعب في مدن نائية (والتي بلغت 3 مليون دولار) فهي قد لا تشهد مستقبلاً أحداثاً كبيرة أخرى.

ما مدى الأهمية البيئية لكأس العالم ؟

في خضم التحضير لكأس العالم كانت هنالك حاجة للطاقة، البلاستيك، المنسوجات، النقل والصناعات الكيميائية المرتبطة. يعني ذلك أن احتضان الرياضيين والمعنيين للشؤون البيئية يوجه رسالة إلى سلسة التوريد والتجارة العالمية. الموضوع أكثر بكثير من مجرد تخفيض ملموس في انبعاثات الكربون والنفايات أو التوفير في استخدام المياه. لدى الرياضة القدرة على التأثير في الرأي العام وحتى في العمل الحكومي. "الرياضة قد تكون واحدة من الحركات الأكثر نفوذاً في تاريخ حماية البيئة"

البرازيل والآثار الاجتماعية:

رغم غياب وسيلة تضمن شرعية المطالب البيئية ورغم أن التحضيرات للكأس كانت محفوفة بتحديات العدالة الاجتماعية بدأ التحضير للألعاب. رأينا المليارات من دولارات الاستثمارات (انظر الصورة) ومساعٍ واضحة جداً لدفع التكنولوجيا الأفضل بيئياً ولكن ضمان قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية هي جزء من أهداف الاستدامة ولم يكن واضحاً إذا كان من الممكن أن يحصل ذلك في البرازيل فقد مثــّـل كأس العالم فرصة ضائعة.

الناس التي خرجت في شوارع بلد يعشق الكرة كالبرازيل وجهت في النهاية رسالة لأحداث كأس العالم التالية كالتي ستستضيفها قطر في 2022. قطر التي تواجه انتقادات لممارسات استغلال العمالة وانبعاثات الكربون فيها. يجب أن تصبح العدالة الاجتماعية جزءاً مهماً أثناء التخطيط لهكذا أحداث في المستقبل.

المصدر:

هنا

الصور:

هنا

هنا