البيولوجيا والتطوّر > التطور

ظاهرة التطور الحلقي للسمندر، بفعل الإنعزال الجغرافي

• انتقاد لنظرية التطور؟... حسناَ، يبدو أن لصديقنا "Ensatina escholtzii" حجة مضادة جيدة.

يتذرع بعض نقاد نظرية التطور بأنها لا تعطي تفسيراً مقنعاً لنشوء الأنواع الجديدة، فأفراد النوع الواحد - برأي هؤلاء النقاد - لا يمكن أن يصبحوا مختلفين جداً عن طريق التغاير الطبيعي (Natural Variation) بحيث يتحول بعضهم إلى نوع منفصل غير قادر على التزاوج داخل الجماعة نفسها (النوع الأصلي).

إحدى أقوى الحجج ضد ذلك الانتقاد هو ظاهرة نادرة ومدهشة حقاً تعرف بالنوع الحلقي (Ring Species)، تحدث هذه الظاهرة عندما يصبح نوع واحد موزعاً جغرافياً في شكل دائري وفي منطقة كبيرة من الأرض بحيث تظهر تباينات طفيفة بين الجماعات المتلاصقة أو المتجاورة جغرافياً مع احتفاظها بقدرتها على التزاوج فيما بينها، ولكن في أقاصي هذا النمط الجغرافي أي في جماعتي الأفراد المشكلتين لأطراف الحلقة (حيث تتصلان لإغلاقها) يكون التغاير الطبيعي قد أحدث اختلافاً كبيراً بحيث تسلكان سلوك الأنواع المختلفة إذ تقفدان القدرة على التزاوج فيما بينمها.

يعتبر النوع "Ensatina escholtzii" من الأنواع المدروسة جيدا كمثال عن هذه الظاهرة وهو من أنواع السمندر الذي يقطن منطقة ساحل المحيط الهادي في الولايات المتحدة، حيث عثر علماء الطبيعة في أقصى جنوب كاليفورنيا على ما يبدو أنه نوعان مختلفان من السمندر.

• لنتعرف على الدراسة معاً.

يتميز أحد النوعين بوجود بقع قاتمة في نمط يعطيها تمويهاً جيداً، و النوع الآخر ذو لون أفتح وموحد إلى حد ما وله عيون صفراء زاهية اللون يبدو أنها محاولة لتقليد سمندر الماء الغربي السام القاتل.

تتواجد هاتان المجموعتان معاً في بعض المناطق لكن أفرادهما لا يتزاوجان فيما بينهما ويبدو أنهما غير قادرين على ذلك أصلاً.

بالانتقال إلى أعلى الولاية تنقسم الجماعتان جغرافياً حيث تحتل السمندرات القاتمة ذات النمط المُمَوَّه الجبال الداخلية في حين تعيش الجماعة المحاكية (المقلدة) على امتداد الساحل، وإلى الشمال أكثر في "كاليفورنيا" الشمالية و ولاية "أوريغون" تندمج الجماعتان حيث لم يوجد سوى شكل واحد. في هذه المنطقة يصبح واضحاً أن ما بدا كأنه نوعان مختلفان في الجنوب هو في الحقيقة نوع واحد تتفرع عنه أنواع فرعية عديدة قادرة على التزاوج فيما بينها و تتوزع في حلقة واحدة مستمرة إلا أن الأطراف تصبح أكثر اختلافاً من أن تتزاوج مع بعضها.

• تَكشُّف الغطاء عن أصل حدوث هذه الحالة.

تبدأ الحكاية التطورية، التي اكتُشَفَ سِرَّها العلماء، في الشمال، حيث يوجد شكل واحد من السمندر وهو على الأرجح السلف المشترك، وعندما انتشرت هذه الجماعة إلى الجنوب انعزلت بسبب وجود وادي "سان خواكين" في وسط "كاليفورنيا" ليتشكل بذلك مجموعتان مختلفتان، حيث طورت السمندرات ألوانها التمويهية في منطقة "Sierra Nevada" في حين اكتسبت تلك التي تعيش على الساحل ألواناً أفتح فأفتح.

لكن هذا الانعزال لم يكن مطلقاً فبعض أفراد الجماعات الفرعية ما زالت تلتقي وتتزاوج لتنجب هجناً (كائنات تحمل صفات الأبوين معا) قوية و تبدو بصحة جيدة ولكنها تفتقر إلى وسائل آبائها في التخفي، فلا هي مموهة لتنجو في الجبال ولا هي فاهية اللون تماشياً مع لون الساحل، لذلك فهي معرضة لخطر الافتراس (بسبب انكشافها للمفترس) كما أنها تواجه صعوبات في العثور على شركاء التزاوج لذلك لا تتكاثر الهجن بنجاح، وبالنتيجة يمنع هذان العاملان شكلي السمندر من الاندماج رغم قدرتهما على التزاوج.

عندما وصلت السمندرات أخيراً إلى أقصى جنوب "كالفورنيا" أدى الانعزال الجغرافي بين الجماعتين إلى تطور اختلافات تكفي لعزلهما تناسلياً. و توجد الجماعتان معاً في بعض المناطق بسبب انغلاق الحلقة الجغرافية لكن دون أن تتزاوجا معاً، فهما مختلفتان كما لو كانتا نوعين مستقلين رغم انتماء كل هذا المزيج من الجماعات إلى نوع تصنيفي واحد هو Ensatina escholtzii"".

يقول عالم البيولوجيا "David Wake"، الذي درس جنس "Ensatina" لأكثر من عشرين عاماً: إن الأنواع الحلقية هي مثال رائع حي عن نشوء الأنواع الجديدة وإن كل المراحل الوسطية للتطور التي تُفقد عادة من مجموعة الأدلة على التطور تكون محفوظة جيداً في التطور الحلقي وهذا ما يجعلها ظاهرة مثيرة للدهشة فعلاً.

المصدر

هنا

هنا