كتاب > معلومة سريعة

ربما ليلة واحدة كانت قد تكفي! الليالي البيضاء - دوستويفسكي

على امتداد صفحات الكتاب، وبمدى طول الليالي الأربعة كاملة، بقي اسم البطل مجهولاً؛ ربما لأن ما يرويه عن حاله يشبه حال كلٍّ منا في أكثر أيامنا وحدة وألم!

في روسيا، وتحديداً في مدينة بطرسبورغ، يتجول بطلنا حاملاً همومه وأحزان سنواته التي مضت، فليس له في هذا الليل وليفٌ ولا صديق ليشاركه ولو حديثاً عابراً! لا يوجد سوى منازلُ وجدران المدينة التي يحب، مُصغيةً تماماً لخطواته المألوفة فيها، تخبر حسب إيقاعها بحالته، التي دائماً ما تشي بوحدته وبثقل خُطا قلبه المكسور.

يبدع دوستويفسكي كعادته في إرباك القارئ، فلا تعرف إن كانت القصة هي تراجيديا عصر جديد، أو أنها قصة واقعية فقط، وهل الواقع تراجيدي لهذا الحد؟!

فالشاب العشريني يتصرف بحزن رجلٍ كهل، لا أمل له من هذه الدنيا، لا ثقةَ له بنفسه، مستسلم لأحلامه الكثيرة التي أصبحت تؤرقه أكثر من أن تعطيه نشوةً وسعادة حتى لو مؤقتة!

وإذ بالقدر يتدخل بكل هدوء، لترميه جولاته اليومية في شوارع المدينة أمام لقاءٍ أوشك أن يغير حياته إلى الأبد، أو ربما فعل ذلك حقاً.

هناك مقابل أحد الأرصفة، أوقفه صوتُ نحيبٍ يشبه صوته الداخلي غير المُعلن؛ وإذ بفتاة تعطي لليالي القادمة من حياته معنىً آخر، وتأخذ هي أيضاً حصتها الوفيرة من هذا اللقاء.

غريبان باحا لبعضهما بكل شيء؛ أصغر الأخطاء، أكثر المواقف المحرجة، وأيضاً أكبر الأحلام.. فهو الشاب الحالم الذي بلغ عدد أحلامه أضعاف عدد البشر الذين التقى بهم في حياته، وهي الفتاة الصغيرة التي ليس لها سوى جدتها المتملكة، وهذا النهر الذي تشكو أمامه وعد حبيبها المسافر.

ومَن أقرب من غريبين تخنقهما الوحدة؟

 تتالت اللقاءات بينهما في ليالي كانت لياليَ بيضاءَ على الرغم من قصرها، شرعت له أذنها وأصغت ورحبت بكل براءةٍ بأفكاره وأحلامه، وهذا ما كان يكفيه؛ أن يجد من يستمع إليه بمثل هذا الاهتمام، وتورطت هي في أسلوبه وكلامه البليغ فوجدت فيه الحكمة والإبداع للتعبير عما يجول في خاطر إنسان حزين.

رضي بصداقتها في حين يلتهب قلبه حباً، منذ اللحظة الأولى، وساندها لتجد ضالتها، كان لها ساعي البريد، والكاتب والمُرشد والمُصغي.

ولكن؛ هل يستطيع إسكات قلبه المتعطش للمزيد، أم سيكتفي بما قاله: "يا إلهي! لحظة مليئة بالسعادة! ولكن أليس هذا كافياً لمدى الحياة؟".

العنوان: الليالي البيضاء.

المؤلف: دوستويفسكي.

المترجم: إدريس الملياني.

الناشر: المركز الثقافي العربي.

سنة النشر: 2016.

عدد الصفحات: 111.

دوستويفسكي. الليالي البيضاء. م إدريس الملياني.  المركز الثقافي العربي؛ 2016. ص 111.