التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

السلوكيات الجنسية الخطرة لدى المرضى النفسيين

لكي يتمتّع الفرد بحياة جنسية صحية لا بد من أن يكون قادرًا على التواصل الاجتماعي مع الآخرين وفهم التوجهات الجنسية الخاصة به وتقبّلها، كذلك يلزمه مستوى معينًا من الثقة بالنفس وفيزيولوجيا جنسية طبيعية وملائمة.

وكثيرًا ما تترافق الأمراض النفسية -كالفصام والاضطراب الثنائي القطب وغيرها- باضطرابات في العمليات الإدراكية والمعرفية والعاطفية الأساسية، وقد تحدث إهلاسات وتوهمات لدى المرضى واضطرابات في الكلام والسلوك والمشاعر وغيرها، إضافةً إلى تأثيرات الأدوية المستخدمة في تدبير الأمراض النفسية. تسهم تلك العوامل كلّها في ظهور ارتباط بين الأمراض النفسية والمشكلات في الحياة الجنسية عمومًا (1).

ما المشكلات الجنسية التي قد تحدث لدى المصابين بالأمراض النفسية؟

تتراوح المشكلات الجنسية المرافقة للأمراض النفسية من اضطرابات الوظيفة الجنسية كخلل الانتصاب، وصولًا إلى سلوكيات جنسية خطرة على المجتمع (ارتكاب الجرائم الجنسية) وعلى الفرد (كالأمراض المنقولة بالجنس التي قد يتعرض لها المريض، والحمل غير المخطط له، والوقوع ضحية الاعتداء الجنسي وغيرها) (1-3).

ما مدى انتشار السلوكيات الجنسية الخطرة على الفرد بين المرضى النفسيين؟

في عام 2016 قارنت دراسة أسترالية بين السلوكيات الجنسية الخطرة لدى مجموعة من الشبّان المصابين بأمراض نفسية (15-25 سنة) المراجعين لعيادات نفسية خارجية مع طلاب من المرحلة العمرية نفسها أصحاء نفسيًّا؛ فوجدت ارتفاعَ معدّلِ انخراط المجموعة الأولى في سلوكيات جنسية خطرة مقارنةً بالمجموعة الثانية. وتبيّن أن 77% من المجموعة الأولى سبق أن مارسوا الجنس مقارنةً بـ 33.7% فقط من المجموعة الثانية، وصرّح قرابة ثلث أفراد المجموعة الأولى بأنّهم انخرطوا مع أكثر من ثلاثة شركاء جنسيين.

كذلك ظهر ارتفاع في نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس وحدوث حمل غير مرغوب فيه في المجموعة الأولى مقارنةً بالثانية، في حين كان الاستخدام المنتظم لوسائل الوقاية الجنسية (الواقي الذكري) أعلى في المجموعة الثانية بنسبة 43% مقابل 36.3% في المجموعة الأولى (2).

إنّ المرضى المصابين بالاضطراب الثنائي القطب والفصام معرّضون بشدة للانخراط في سلوكيات جنسية خطرة، وهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس؛ إذ تكون السلوكيات الخطرة أعلى بنحو 2.5 أضعاف لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب ونحو 2.1 ضعفًا لدى مرضى الفصام بالمقارنة مع الأصحاء. كذلك يُقدّر أن 2% من مرضى الفصام في المملكة المتحدة إيجابيو فيروس عوز المناعة المكتسب (HIV) مقارنة بنحو 0.13% لدى مجمل السكان (1).

وقد وجدت دراسة حديثة في أوغندا عام 2023 أُجريت على مجموعة من المرضى المراجعين للعيادات النفسية الخارجية أنّ 21.9% من المشاركين وقعوا ضحيةً للاعتداء الجنسي وهم بالغون (3).

ما أسباب زيادة ظهور السلوكيات الجنسية الخطرة والتعرّض لها لدى المصابين بالأمراض النفسية؟

إنّ الأسباب المؤدية لذلك متعددة، ومن أهمها فرط النشاط الجنسي المرافق لبعض حالات المرض النفسي أو بسبب الأدوية النفسية (1). ومن الملاحظ أيضًا أنّ المصابين ببعض الأمراض النفسية قد يكونون أقل قدرة على فهم بيئتهم والتفاعل معها بما يلائم السياق المقبول والآمن اجتماعيًّا؛ مما يعرضهم لمخاطر منها الأمراض المنقولة بالجنس والحمل غير المخطط له وتدمير العلاقات العاطفية السليمة وحتى ارتكاب جنح وجرائم ومخالفات (1). 

وربما يحدث فرط النشاط الجنسي بسبب نقص قدرة الفرد على كبح الرغبة الجنسية، وهو ما يتلاءم مع عجز الفرد عن السيطرة المناسبة على التصرفات والسلوك عمومًا، وتبقى محاولات التفسير غير حاسمة تمامًا حتى اليوم؛ إذ توجد تفسيرات أخرى محتملة (1).

أما فيما يخص تعرُّض المريض للأذية الجسدية والجنسية فتوجد ثلاث فرضيات؛ إذ تقترح الأولى أنّ المريض هو البادئ في الموقف الذي ينتهي بتعرضه للأذية، مثل الاستمرار في علاقة مع الجاني أو عن طريق بعض الجوانب الشخصية المرتبطة بالمرض النفسي مثل التهور. 

وتقول الفرضية الثانية إنّ نمط حياة المريض النفسي قد يعرضه للخطر؛ فقد يعيش متشرّدًا وفي بيئات خطرة، في حين ترى الفرضية الثالثة أنّ الضحايا يتعرضون للخطر بسبب ارتيادهم للمناطق الخارجة عن القانون والأماكن التي تسود فيها الجرائم مثل أماكن تعاطي المخدرات (1).

وقد لوحظ إجمالًا أنّ احتمال تعرض المريض للأذية الجنسية والجسدية يزداد بازدياد شدة الأعراض النفسية وسلوك أذية النفس والإزمان والتشرد ونوعية الحياة المتدنية ونقص إمكانيات المجتمع بما يخص العناية بالمرضى وازدياد العبء المادي على مقدّمي الرعاية (3).

ما التدابير التي يمكن أن يتخذها مقدمو الرعاية الصحية للتعامل مع المشكلة؟

في البداية يجب أن تُؤخَذ القصة الجنسية من المرضى النفسيين عن طريق الفحص بدقة وتفصيل أكبر، ويجب أن تُجرَى الفحوصات الماسحة بحثًا عن الأمراض المنقولة بالجنس لدى الأشخاص ذوي الخطورة العالية.

وعند معاينة مريضة في سن الإنجاب يجب أن يبقى حاضرًا في ذهن المعالج أو مقدم الرعاية إمكانيّة وجود حمل أو حتى خطورة حصول حمل غير مخطط له مستقبلًا، ويجب على المعالج ألا يتردد في طلب اختبار كشف الحمل خصوصًا في حال الحاجة إلى وصف أدوية نفسية لسيدة.

يجب أن تتضمن رعاية المريض النفسي تعليمه عن السلوكيات الجنسية الخاطئة وتقديم نصائح عن وسائل منع الحمل، إضافةً إلى المراقبة وإجراء الاختبارات الماسحة والإحالة إلى العيادات التخصصية للتعامل مع الحالات المختلفة (1). 

إنّ نقص المقدرة العقلية لدى بعض من الأفراد المصابين بأمراض نفسية يوجب على من يتعامل معهم تقديم أفضل رعاية ممكنة ومحاولة تحقيق الخيارات الأفضل بطرق مناسبة وآمنة.

تعديل الصورة: Lama ALsheikh

المصادر:

1- Smith S, Herlihy D. Sexuality in psychosis: dysfunction, risk and mental capacity. Advances in Psychiatric Treatment. 2011;17(4):275–82. Available form: هنا

2- Sanchez A, McMillan E, Bhaduri A, Bhaduri A, Behlivan N, Monson K et al. High‐risk sexual behaviour in young people with mental health disorders. Early Intervention in Psychiatry. 2018; 13(4):867-73. Available form: هنا

3- Mpango RS, Ssembajjwe W, Rukundo GZ, Amanyire P, Birungiet C, Kalung A, et al. Physical and sexual victimization of persons with severe mental illness seeking care in central and southwestern Uganda. Frontiers in Public Health. 2023;11. Available form: هنا