كتاب > روايات ومقالات

من ديونيسوس إلى قلم شكسبير (مراجعة كتاب تاريخ المسرح العالمي)

لم يكتفِ الإنسان في القرن السادس قبل الميلاد من طقوسه الدينية الكلاسيكية، وعبر توجسه من وجود حالة أعمق توفي الآلهة التي كان يعبدها جزءًا من حقها، كان المسرح في اليونان قد مد حبال الستار من صميم الاحتفالات الدينية للإله ديونيسوس ليرفعها، وليكون للآلهة الإغريقية في ذاك الزمان ذاك الفضل في نشأة الشرارة الأولى له، وهي التي حملها الممثل الأول "إيسبي"، ليستمر تمريرها على مدار قرون إلى مسرحيين بعضهم حارب، وبعضهم قتل، ومنهم من اعتزل، ومَن غير توجهه، أما غالبيتهم فلم يروا في المسرح مع كل حقبة مر بها إلّا دنو فنائه.

 

فما هي تلك الحقب وكيف تطورت هذه الشرارة لتصبح المسرح الذي نعرفه؟

 

بدأ المسرح من كنف الاحتفالات الدينية، وكان له شكله الواضح في تعميق العلاقة بين الإنسان والإله عبر ممثل رئيسي وجوقة مشكلين حالة ستبعث منها المأساة –أو ما يسمى بالفن التراجيدي– لاحقًا. ومن تلك الجوقة نفسها ومن أغانيها التي عبرت عن الإنسان وبهجته كانت الملهاة -الكوميديا- قد نشأت ليخلق من ذات المنبع الشيء وضده على هذه الخشبة في صراع حثيثٍ فيما بعد بين التراجيديا والكوميديا.

 

وبحلول القرن الثالث قبل الميلاد، وعبر البوابة الرومانية، حمل الرومان على عاتقهم تركة ثلاثة قرون بسلخ هذا الارتباط الوثيق بينه وبين الآلهة، ليصير غرضه الرئيسي عندهم هو الترفيه، فشاع في المسرح الروماني الكوميديا متفوقة لديهم على التراجيديا بانين لذلك الفعل مكانًا خاصًّا على غرار الإغريق الذين تماهوا في فنهم وطقوسهم مع الطبيعة الأم مستغلين الجبال وتضاريسها في عروضهم. وقد كان للرومان بميلهم نحو المتعة هيئةٌ مختلفةٌ للمسرح، فعززوا بالواقعية المحضة مسرحهم، حتى صار الاقتتال ضمن حلبة المصارعة مسرحًا تراق فيه الدماء ويشاهد نزعات الإنسان المتجردة من أي قيد ليراها رؤوس الطبقات فقط.

 

ومع سقوط روما وإمبراطوريتها عام 476م وانتشار الديانة المسيحية، حُرِّمَ المسرح في سلسلة من القوانين التي أنزلتها باعتباره إرثًا وثنيًا، واستمر هذا التحريم حتى العصور الوسطى. وفي القرن الميلادي الحادي عشر تحديدًا، كان المسرح قد عاد إلى واجهة الفنون،  من داخل الكنيسة بوصفه أداة للوعظ الديني يقوده رجال الدين فيها، ليصير بذلك للمسرح بدايته الجديدة التي تجسدت في مسرحية "حلقات الأسرار" المستمدة من الكتاب المقدس.

 

وعندما تمادت الحاجة في نفوس مؤلفي مسرح تلك الحقبة إلى أن يكون للمسرح شكله البشري وتعبيره المطلق عن القضايا الإنسانية، كان المسرح في القرن الميلادي الثاني عشر قد حطم الجدران الأربعة ليبتعد عن حدود الكنائس محافظًا على شيءٍ من الطابع الديني في قرارته، ولم ينفصل المسرح عن مراسمها حتى تجاوز حدود اللغة اللاتينية فأصبح باللغات الوطنية مقتربًا من عموم الشعب.

 

حتى قدم القرن الخامس عشر حاملًا في طياته لأوروبا مشعلًا جديدًا ما لبث أن توهج، حتى سمي قدومه بعصر البعث (النهضة)، فقد بُعثت فيه أوروبا من سباتها، ونهض معها المسرح بمعالمه الكلاسيكية خفيفًا متحررًا من كل قيد كان قد قيده. فمن إيطاليا إلى إنجلترا مرورًا بفرنسا كان الشعب وفنانو المسرح باختصاصاتهم قد أدركوا ما خلفوا وراءهم من متاعٍ وجمالياتٍ في كلاسيكيات الإغريق والرومان، وعليه قد بنوا حقبة كاملة من المسرح بين فعلٍ ونقدٍ اختصت فيه إنجلترا التي اتجهت بالعمل المسرحي مبتعدةً عن الكلاسيكية وبساطتها إلى جماح التعقيد وازدواج الموضوعات وكثرة الشخصيات والحركية الجامعة بين "الملهاة والمأساة" في المسرحية الواحدة. تمثل هذا الفعل المختلف في طرحه عن الفعل الكلاسيكي لمسرح إيطاليا وفرنسا في مسرحيات "شكسبير" قائد عصر النهضة الإنجليزية (الإيلزابيثي)، وهو الذي قد حول ظروف هذا العصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى مسرح، ليصير منه أحد أهم الكتاب المسرحيين عبر العصور.

المصادر:

الكتاب :تاريخ المسرح العالمي 

الكاتب: رانيا عبد الرؤوف 

الناشر: منشورات جامعة عين شمس 

عام النشر: 2022

الصفحات: 72

تصميم الصورة: Lama ALsheikh

 

/p>