من العدم إلى العدم! مراجعة رواية "صباح ومساء"

في الخامس من أكتوبر عام 2023، حصل الكاتب النرويجي جون فوسه (Jon Fosse 1959) على جائزة نوبل للأدب؛ وذلك "لمسرحياته ونثره المُبتكَر الذي أعطى صوتاً لما يصعب التعبير عنه" حسب تعبير الأكاديمية السويدية في ستوكهولم (1).

 وفي هذا العمل، يحاول فوسه الإجابة عن السؤال الأهم: ما معنى الحياة؟ بأبسط طريقة ممكنة.

عرضٌ لمشهدٍ بطيء.. صباحٌ يمرُّ كعادته سريعاً ومساءٌ طويل، يبدأ بصراخ طفلٍ مقتحمٍ للحياة ظافرٍ بها، وينتهي بسكون مُطبق، لا يوجد سوى العدم خارج المشهد، في حين يمتلئ العرض بالحياة.. وربما بالعدم أيضاً!

"تلك أعنف المعارك التي يخوضها الإنسان على مدار حياته على الإطلاق، أن تخرجَ من رحم أمك لتبدأ حياتك في هذا العالم الشرير".

يولد "يوهانس" ليجد أبويه قد اختارا له اسماً ومهنةً وحياةً تليق به كحياتهما البسيطة الهانئة العادية، يكبر ويشيخ محتفظاً بما ورثه عن أبويه، حتى أفكار والده عن الحياة والله تنتقل إليه، فلا يمكن أن يكون اللهُ وحده من يحكم هذا العالم، وهو ليس كلِّي المعرفة ولا كلِّي القدرة وهو "البعيد النائي، والقريب الداني".

ينتهي الحال ب "يوهانس" صياداً متقاعد، عجوزاً وحيداً بعد وفاة زوجه "إرنا" وصديقه العزيز "بيتر" وزواج أولاده، وفي مساء حياته يستيقظ مبكراً كعادته، فيجد نفسه خفيفاً على نحو غريب، وبعد أن يفكر ملياً لينهض يكتشف أن كلَّ ما حوله خفيف يكاد يطير، وفي الوقت ذاته ثقيل في جوهره متشبث بجذوره، يبدو له كل شيء مختلفاً، يتمنى أن يلتقي بصديقه "بيتر" فيجده أمامه ويخوض معه الأحاديث اليومية العادية، فيسأله عن صيده ويتذكر معه اللحظة التي رفضه فيها البحر عندما رفضت ثقالته أن تغوص، هو يدرك أنَّ صديقه ميت، لكنه يخجل أن يسأله ليتأكد من ذلك، وفي المساء يعود إلى منزله ويتمنى لو كانت "إرنا" تنتظره كعادتها، فيراها أمامه وتسير محادثتهما على نحو عادي جداً، إلَّا أن الوقت كان قد حان.

تتلاشى الحياة تلاشياً تدريجياً وعميقاَ، عندما تصبح الصلات مع الموتى أقوى من الأحياء، عندما لا تجد الكلمات من يسمعها، وفي اللحظة التي يترك الأحياء فيها الشخص مستلقياً وحده على السرير وهو يسمع ضجيجهم في الخارج يتحدثون عنه بصفة الغائب، يكون قد فارق الحياة وانتقل إلى الضفة الأخرى حيث "كلُّ ما تحبه كائنٌ هناك".

استطاع فوسه في هذا العرض البسيط أن يرصد حياةً عاديةً لشخص عادي، عاش حياته من دون مفاجآت، وسط أسرة محبة ودافئة، وتركها بهدوء دون أن يُحدث رحيله أيَّ جلبة. (2)

المصادر: