الطب > مقالات طبية

أسطورة دماغ أينشتاين.. وهم أم حقيقة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

عندما توفِّي أينشتاين في العام 1955، قرر خبير النسج المرضية (الطبيب الشرعي) المسؤول عن تشريح جثة أسطورة الفيزياء أن يحتفظ بدماغه لأغراضٍ علمية ظناً منه أنَّ هذا الشخص المميز سيحمل في رأسه دماغاً مميزاْ تشريحياً وفيزيولوجياً، فمن منا لا يعرف العبقرية التي كان يتمتع بها ذلك العالم وحِكمَهُ وأفكاره ونظريتيه الشهرتين في النسبية العامة والخاصة اللتين توصل لهما بعد عمليات معقدة وفذَّة من الدهاء الرياضي العبقري الذي جعله ينال جائزة نوبل للفيزياء وأغدقت عليه عروضُ لاستلام مناصب علمية و سياسية عديدة... برأيكم هل كان يمتلك أينشتاين دماغاً متميزاً فعلاً عن البشر الآخرين؟ لنتعرف عن ما توصل له العلم بما يتعلق بدماغه المحفوظ في هذا المقال...

بعد الحصول على موافقة ابن أينشتاين أصبحت صور وعينات دماغ العالم الكبير متاحة لعلماء الأعصاب حول العالم والذين شرعوا يحلمون باكتشاف سر عبقرية هذا الرجل. وزعم كثيرون أنهم توصلوا إلى حل اللغز وبنوا نظرياتٍ وأفكاراً عديدة تقول بأن دماغ أينشتاين يختلف عن أدمغة البشر وبأنه أكبر حجماً ويخلو من بعض الأثلام الدماغية مما يجعل مساحته أكبر وسيالاته العصبية أسرع والوصل الشبكي أقوى وما إلى ذلك.

لكن عالم النفس Terence Hines من جامعة Pace لم يقتنع بذلك، حيث استخدم بعضُ الباحثين المجهر لفحص نسيج دماغ أينشتاين على المستوى الخلوي وأشهر هذه الدراسات هي دراسة Diamond 1985 الذي قال بوجود نسبة أكبر من الخلايا الدبقية في دماغ إنشتاين مقارنة بالأدمغة الشواهد "العادية"، ويشير هاينز إلى أن هذا الاستنتاج هو مثال جيد لما يُسمى مشكلة المقارنات المتعددة ويفسر ذلك على النحو التالي:

قام دايموند بإجراء أربعة اختبارات t-test كل منها يقارن دماغ أينشتاين بالأدمغة الشواهد وتبين أن دماغه تفوّق في واحد فقط من هذه الاختبارات وفي مقياس واحد فقط من المقاييس المختَبرة وهي سبعة (عدد العصبونات، العدد الكلي للخلايا الدبقية، عدد الخلايا النجمية، عدد الخلايا الدبقية قليلة التغصن، نسبة العصبونات إلى الخلايا النجمية، نسبة العصبونات إلى الخلايا الدبقية قليلة التغصن وأخيراً نسبة العصبونات إلى الخلايا الدبقية و التي تفوق بها دماغ إنشتاين). أي أنه من أصل 28 مقارنة كانت واحدة فقط منها تحقق الشرط (p أقل من 0.05) لاختبار t. و الحق يقال، إنها نتيجة لا تمت للمفاجأة بصلة، حيث يقول هاينز: "إنها لم تتوصل إلى فروق جوهرية بين دماغ أينشتاين و بين الشواهد، ولست متفاجئاً فالدماغ هو بنية بالغة التعقيد ومن السذاجة اعتقاد أن تحليل شريحة أو بضع شرائح من دماغ واحد يمكن أن يكشف شيئاً عن قدرات الدماغ المعرفية".

ويعتقد هاينز أن الباحثين كانوا متحيزين في دراساتهم لمعرفتهم مسبقاً أنَّ ما بين أيديهم هو دماغ أينشتاين"، واقترح أن تكون مثل هذه الدراسات "عمياء" (تُحجب فيها هوية العينات) وعندها يمكن الحصول على نتائج أكثر موضوعية.

هذا فيما يخص الدراسة النسيجية، ولكن ماذا عن حجم أو شكل دماغ إنشتاين ككل؟ يقول هاينز في هذا الصدد إن القصة ذاتها تتكرر فالعديد من الخصائص البنيوية لدماغ إنشتاين يُقال بتفرّده ولكنّ هذا التفرد لا يعدو كونه اختلافاً طبيعياً بين الأفراد.

ينتقد هاينز أيضاً منطق محاولة تفسير "عقل" أينشتاين انطلاقاً من التشريح العصبي والشكلي لدماغه، إذ جاء عن Falk :"هناك توسع استثنائي في الباحة الحسية الجسدية الأولية اليسرى والباحة الحركية الأولية اليسرى من قشرة مخ إنشتاين (مناطق الوجه واللسان)، ومن المثير للاهتمام ما كتبه أينشتاين عن كون تفكيره يتضمن ارتباطاً بين الصور والمشاعر وأنَّ "عناصر التفكير بالنسبة له هي ليست بصرية فحسب بل هي عضلية"

يقول هاينز: "وصْفُ إنشتاين لتفكيره بتلك الطريقة هو أمر مثير للاهتمام بالفعل ولكن هل ينبغي لنا توقع العثور على "توسع استثنائي" في الباحات الحركية لنصف دماغه الأيسر الممثلة لوجهه ولسانه بناء على هذا الوصف؟ أعتقد أن الإجابة هي لا".

من الصعوبة بمكان تحديد سر عبقرية هذا الرجل ولكن هذه المقالة تشير إلى أن تركيبة دماغ إنشتاين وبنيته التشريحية قد لا تكونان السبب وراء تميزه، فربما كانت بيئة الفرد ونشأته هي ماتجعل منه عبقرياً وليس التشريح وعلم النسج . وحتى أينشتاين المفعم بالذكاء ليس استثناء لذلك.

وأنتم، ماذا تعتقدون؟

المصدر: هنا