كتاب > معلومة سريعة

يجرح ويداوي.. رواية "جزيرة الدكتور مورو"

يصنع لنا الكاتب الإنكليزي هربرت ويلز (Herbert George Wells  _ 1866-1949) كاتب الخيال العلمي والحاصل على شهادة في علم الأحياء بمرتبة الشرف، عالماً مجنوناً يثير في نفوسنا الذعر ويضعنا أمام تساؤلات وجودية وأخلاقية كبرى، والجدير بالذكر أن ويلز درس الأحياء على يد العالم توماس هاكسلي المدافع عن نظرية التطور لداروين، فيلاحظ القارئ بوضوح شيئاً داروينياً في الرواية.

ما الذي يحدث على تلك الجزيرة؟ وما السرُّ الذي تُخفيه؟

بعد غرق سفينة "ليدي فين" ونجاته بأعجوبة من زورق النجاة، تقود الأقدار التاجر "إدوارد برينديك" إلى جزيرة غير مأهولة بالبشر سوى بالمساعد "مونتغومري" _مُنقِذه_ وعالم التشريح الدكتور "مورو".

يتساءل "برينديك" عن سبب وجود هذا العدد الكبير من الحيوانات، ويتحول تساؤله إلى استغراب ومن ثم إلى رعب بعد رؤيته للكائنات المشوهة التي تحمل صفات البشر والحيوانات معاً، تدور هذه الأسئلة وتضرب في رأسه مع تزايد أنين أنثى "الكوجر" وهي بين يديّ مورو، ليفرَّ ويهرب بعد أن يظنَّ أنه اكتشف حقيقةً مرعبة، وتقوده قدماه والجوع إلى أكواخ تسكنها الكائنات الممسوخة التي كانت قد صنعت مجتمعاً خاصاً بها. 

"مورو الإله":

تثير الرواية أخلاقيةَ التجارب على الحيوانات، والعبث بالطبيعة وتغييرها في سبيل العلم، وإذا ما نجح الإنسان في ذلك؛ ألا يكون "إلهاً" في نظر صنيعته؟ ومن ثمَّ يقفز تساؤل آخر بمدى مشروعية ذلك في الأديان!

"في كلِّ مرة أغمر فيها كائناً حياً في بحر الألم الرهيب أقول: هذه المرة سأصمِّم كائناً عقلانياً" 

يعتمد مورو في تجاربه على الألم "مرشدنا الطبي والرئيسي"، وعلى الرغم من أنه بإمكانه تخدير الكائنات، فإنه يعتقد أن بالألم وحده يمكن السيطرة عليها وإخضاعها، ومن دون أن يثير ذلك في نفسه أيَّ شعور بالذنب، فالألم والمتعة برأيه من الطبيعة الحيوانية الباقية فينا.

وتُظهر الرواية كيف نجح بترويض كائناته حتى اخترعت لنفسها قانوناً يناسب أوامره ونواهيه، تُردِّده من خلال طقوس معينة، وتؤدي له فروضَ الطاعة، وتؤمن أنَّ كل مخالِف مذنبٌ يستحق العقاب. 

"داره هي دار الألم.

يده هي التي تصنع.

يده هي التي تجرح.

يده هي التي تداوي"

وبعيداً عن أخلاقية هذا الفعل، يبرز تساؤلٌ فلسفي علمي؛ هل يمكننا بالفعل تغيير الطبيعة وجوهر الكائن الحي؟ وهل ستبقى الكائنات خاضعةً لسيدها وصانعها، أم أنها ستتمرَّد وترتدُّ إلى طبيعتها؟ والسؤال الأهم: ماذا لو مات السيد الصانع؟ هل يمكن للسيد أن يموت؟! 

تجيب الرواية عن هذه التساؤلات بأسلوب تشويقي آسر، وفي النهاية نجري ونبحث مع "برينديك" على وسيلة للفرار من هذا العالم المجنون..

المصادر:

ويلز ج هربرت. جزيرة الدكتور مورو. ت: عبد الصادق علي أميرة. مؤسسة هنداوي؛ 2013. ص 153