كتاب > روايات ومقالات

قناع الروح البشرية في قلب الظُّلمات

رواية (جوزيف كونراد Joseph Conrad 1857- 1924) "قلب الظلام" تروي قصةَ البحار "تشارلز مارلو" الذي ينطلق في مهمةٍ لاستعادة تاجر عاجٍ بات يؤرق الشركات التي أرسلته؛ وهنا نتعرف إلى السيد "كيرتز". 

فبعد الانطلاق بخمسة عشر يوماً، يصل مارلو إلى شواطئ أفريقيا الغربية، وكلما توغل في غاباتها المظلمة، ازداد الظلام وتشابكت العقبات، فبقدر ما كانت الرحلة بصورتها الواقعية بقدر ما ترمز إلى الوحشية المخبأة التي يمكن أن تنكشف وتظهر كلما توغلنا في أنفسنا وفهمناها. 

هذا الترميز بحد ذاته هو محور القصة، وبطلها الحقيقي -السيد كيرتز- هذا الرجل المثير للجدل، الذكي، الذي بدأ مشواره في غابات أفريقيا تحت إمرة شركات استثمار العاج. وبفترات زمنية قليلة، كان كيرتز قد تفوق على جميع أقرانه، وترقى في المناصب وبات الآمر الناهي بدهائه وشخصيته، وسخَّر كلَّ من حوله لخدمة مصالحه.

وكلما ازداد وقته في الغابات، ازداد جنونه بالسلطة والقوة، ولم يتوقف عند استعباد السكان الأصليين لتنفيذ تجارته وتحقيق تطلعاته، بل أخذ يدرس تاريخ المنطقة وماضيها وطبيعة سكانها، وتمكَّن من كسب محبة سكان القبائل، لا بل أصبحوا جيشه الخاص المُستعد للقتال في سبيل قائدهم، يقتلون من دون توانٍ، لا وبل بنوا له مقراً حصيناً، محاطاً بسور تعلوه الجماجم البشرية. ومن ثمَّ أضاع كيرتز إنسانيته بين أنهار الظلام وغاباته وتحول إلى وحشٍ برِّي بدون رحمة. 

وكانت مهمة مارلو إيقاف هذا الرجل بأسرع وقت، وبدون تلكؤ، وتلقى مارلو التحذيرات فيما لو قضى وقتاً أكثر من ذلك في رحلته، إذ سوف تنغرس أقدامه في مستنقع الوحشية والطمع الذي يحكم تلك الغابات.

إلا أن الكاتب كونارد أوضح بأن هذه الوحشية واللاإنسانية، لا يمكن أن تمرَّ دون عاقبة، إذ عادت تطارد كيرتز في لحظاته الأخيرة قبل الموت، وعلى الرغم من القوة والعظمة التي وصل إليهما، فإن آخر أنفاسه كانت: الرعب! الرعب!

وبقيت رواية "قلب الظلام" التي نُشرت عام ١٨٩٩، من محطات الكاتب المثيرة للجدل في التاريخ الأدبي، وقد تناول فيها كونراد -على لسان البحار مارلو- العبودية التي تعرَّض لها سكان القرى السود الأصليين الذين استعملهم الإنكليز للصيد وأعمال السخرة، ويصف كيف يُساقون ويتعذبون من دون التماس للإنسانية أو الشفقة، إذ يصف مارلو أهل القرى فيقول: "إنهم متوحشون، لا يمكن ترويضهم"، ولكن في الوقت نفسه يصف كيرتز بالمتوحش.

فضلاً عن أن الرواية عاملت العنصر النسائي بازدراء كما لو كانت شخصيات ثانوية، وبتوصيفٍ باهت سردي.

هذا التناقض بين الدفاع عن العبودية، وتبريرها من طرف آخر، وتجاهل النساء عموماً، جعل الرواية -حتى يومنا هذا- محطَّ اتهامات جماعات، ومصدرَ إلهام جماعاتٍ أخرى. 

المصادر:

1. جوزيف كونراد. رواية "قلب الظلام": : دار بينجوين penguin؛ 1899. ص 92.