كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "النورس جوناثان ليفنجستون": الطائر الذي يُحلّق أعلى يرى أبعد

"النورس جوناثان ليفنجستون" للكاتب الأمريكي (ريتشارد باخ (1936) Richard Bach) الضابط والروائي والفيلسوف. هي رواية قصيرة من أربعة أجزاء تروي قصة نورس يدعى "جوناثان". يعيش هذا النورس في مجتمع طيور تقليديّ لديه قوانين وقواعد مكررة عن صيد الأسماك والتسكع حول القوارب، فتصوّر الرواية رحلة هذا الطائر الذي يسعى إلى التحرر من قيود مجتمعه واكتشاف إمكاناته الكاملة في الطيران، على الرغم من القيود الرتيبة والتقاليد المجتمعيّة لأسراب الطيور من حوله.

انطلق اختلاف هذه الرواية من فكرتها عندما قرر الكاتب أنسنة طائر النورس "جوناثان" واختياره بطلًا لهذه الرواية عن طريق منحه صوتًا ووعيًّا ورؤية أبعد، السر الذي يكمن وراء نجاح هذا العمل وانتشاره هو نوعية الترميز الذي تضمّنه عن طريق إعطاء حيوان قصة وشخصية منفصلة، فعندما نشاهد حيوانًا أو صورةً أو رمزًا معينًا، يثير ذلك داخلنا فضولًا نحن القرّاء عمومًا. وأتت قوة العمل عن طريق منح القارئ قدرة تبادل الخيال مع "جوناثان"؛ إذ يمكّنك بواسطة وصفه الدقيق من الطيران مع النورس وفرد جناحيك معه.

_"بالنسبة إلى أغلب النوارس، ليس الطيران هو المهم، بل الأكل. لكن هذا النورس شيء آخر، فعنده لم يكن الأكل هو المهم، بل الطيران. كان النورس «جوناثان ليفنجستون» يحب أن يطير أكثر من أي شيء آخر."

 

نُشرت الرواية أول مرة في العام 1970 م، وتُعدُّ إحد أبرز أعمال الكاتب "باخ"؛ إذ تصوّر هذه الرواية قصة التحوّل الشخصي وتحقيق التنمية الذاتية عن طريق التركيز على مجموعة متنوعة من القضايا، كالابتكار والتميّز والتحدي والتحرر من القيود، فتتناول الرواية محاولة جوناثان اكتشاف ذاته، ويواجه عديدًا من التحديات ويكتشف قدراته الفريدة في الطيران بسرعات عالية وأداء حركي مبتكر في أثناء تحليقه.

فيما يتعلق بـ“جوناثان"، أن تُقنع طائرًا أنه حُر يعني أن تواجه معارضةً شديدة من قبل بقية النوارس، الذين يرون أنه مجرد انشغال بأمور غير مهمة، ويعدُّ خروجًا عن القيود الاجتماعية وخروقات للقواعد التقليدية لديهم.

_ "لماذا يا «جون»؟ لماذا؟ لماذا يصعب عليك كثيراً أن تكون مثل بقية السرب يا «جون»"

_"مَن لا يتعلم شيئاً فسيكون عالمه التالي هو نفسه عالمه الحالي، بالحدود والقيود نفسها والأحمال الثقيلة نفسها التي عليه أن يغلبها."

 

يحمل هذا العمل رسائل شجاعة تتميز بأسلوب كتابة رشيق وخفيف ابتداءً من صفحتها الأولى بمشاهدها ووصفها ومفرداتها الأدبية، وتطور شخصيتها الرئيسة وتأثيرها في المحيط، تعكس الكلمات والصور التي يستخدمها رؤيةً فريدة عن الحياة والحريّة؛ إذ يصوغ عالمًا آخر من الأحلام والتحديات الشخصية التي يواجهها أي شخص مختلف.

_"لم يكن آسفًا على وحدته، كان أسفه الوحيد أن النوارس الأخرى رفضت أن تصدق ما ينتظرها من مجد وروعة الطيران؛ لقد رفضت أن تفتح عيونها وتبصر."

 

يمكن للقارئ عن طريق رحلة "جوناثان" أن يتعلّم عن التضحية والاستكشاف والتحوّل الذاتي. ترسم الرواية صورًا للطبيعة والحرية والاتساع، مما يعزز تأثيرها الروحي والفلسفي في القرّاء. هذه الحكاية للذين يتبعون قلوبهم، ويصنعون قوانينهم الخاصة، الذين يستمتعون بعمل الأشياء بدقة وأمانة، حتى لو كانت لأنفسهم فقط. قصة جوناثان هي قصة نورس تغلب على حدود طبيعته وعلى مجتمعه ليصل إلى المراتب العليا من المعرفة، ثم يعود بها إلى أقرانه فينشر ما عرفه. تربّع هذا الكتاب سنوات عدة على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وما يزال يلهم الملايين منذ صدوره.

_"إن كلاً منا في حقيقته ليس إلا فكرة لـ«النورس العظيم»، فكرة غير محدودة للحرية، وليس إتقان الطيران إلا خطوة نحو التعبير عن طبيعتنا الحقة. علينا أن ننحي جانباً كل شيء قد يحدنا."

 

 

معلومات عامة:

عنوان الكتاب: النورس جوناثان ليفنجستون

الكاتب: ريتشارد باخ

تاريخ النشر:الأجزاء الثلاث الأولى عام 1970م وتم نشر الجزء الرابع والأخير من الرواية عام 2014م

المترجم: محمد عبد النبي

نوع الكتاب: رواية أدبية (روحية خيالية)

عدد صفحات الكتاب الأصلي: 144 صفحة