الفيزياء والفلك > فيزياء

فيزياء الآتوثانية

تسمحُ فيزياء الآتوثانية بمراقبةِ أصغر الجسيمات في أقصر مدةٍ زمنية ممكنة، إذ طور الفائزون تقنيات تنتج نبضاتِ ليزر فائقة السرعة من مرتبة جزء من مليار مليار جزء من الثانية، مما قد يمكننا من دراسةِ الكونِ على أصغر المقاييس والسماح بتطبيقات في مختلف مجالات الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء (1).

فكيف ساهم العلماء الثلاثة في هذا الاكتشاف؟ وما أهمية فيزياء الآتوثانية وتطبيقاته؟

أولًا: آن لوليير

تبدأ قصتنا في أواخر الثمانينيات مع العالمةِ لوليير، عندما كانت تعمل مع زملائها في مركز أبحاث أصبح الآن جزءًا من جامعة باريس ساكلاي (Paris-Saclay)، وأثناء دراستهم لغاز الأرجون المؤين عرّضوا الغاز لأشعة الليزر تحت الحمراء، ونتج من تلك التجربة فوتونات جديدة ذات تردد عالٍ، ويعني ذلك أن الفوتونات الناتجة من غاز الأرجون تملك طاقةً أعلى من فوتونات الليزر التي أُطلقت على الغاز، وفسَّرت لوليير وغيرها من الباحثين الآلية المتعلقة بتوليد الغاز لهذه "التوافقيات الأعلى" كالآتي:

تدعى هذه الظاهرة بإعادة الاصطدام (recollision)، وتحدثُ عندما تضرب أشعة ليزر ذرةً ما، وينتزع الحقل الكهربائي للأشعة إلكترونًا من الذرة، تاركًا وراءه أيونًا موجبًا، وعندما يكون تردد الأشعة ضمن القيم المناسبة، تعكس حقولها المتذبذبة اتجاهها على الفور دافعةً الإلكترون ليعود إلى الأيون، وغالبًا ما يملك الإلكترون طاقة أكبر من الطاقة اللازمة سابقًا لتأيين الذرة، وهذه الطاقة الإضافية تُطلق على شكل فوتونات ذات تردد أعلى.

وعندما أدركت لوليير إمكانية إنتاج نبضات ضوء قصيرة للغاية من تلك الترددات، شرعت في القيام ببرنامج لزيادة شدة التوافق اللازمة للأشعة (1).

ثانيًا: بيير أغوستيني

تنبأت نظرية لوليير بأن طول نبضات الضوء سيكون ضمن مجال الآتوثانية، لكن لم يكن هناك طريقة لإثبات ذلك حتى عام 2001؛ عندما عالج بيير أغوستيني المشكلة باستخدامه وفريقه غاز الأرجون في توليد سلسلة من نبضاتِ الضوء فائقة القِصر، وسلطوا تلك النبضات مع أشعة الليزر الأصلية على عينةٍ أخرى من غاز الأرجون، وبناءً على تأثيرات التداخل، تبين أن عدد الإلكترونات الناشئة عند طاقة معينة يعتمد على كيفية تداخل نبضتي الليزر المُطلقتين مع الزمن، ويمكن تغيير هذا التداخل من خلال تحريك مرآة بمقدار ميكرومتر، وأثبت أغوستيني بذلك أن طول نبضات الضوء الناتجة يدوم 250 آتوثانية (2).

ثالثًا: فيرينس كراوس

رفع كراوس مستوى التجربة إلى درجة أعلى من خلال عمله وفريقه على توليد نبضات ضوء منفردة يمكن أن تكون أكثر منفعةً للتجارب، وفي عام 2001، أنتج نبضة وحيدة طولها 650 آتوثانية، وللقيام بذلك كان عليه إنتاج نطاق واسع جدًّا من "درجات التوافق" ثم تصنيف ودمج بعض الدرجات الأعلى منها فقط (2).

ختامًا: تطبيقات الآتوثانية وأهمية هذا الاكتشاف

في العقدين الماضيين بدأت تطبيقات الآتوثانية تتطور شيئًا فشيئًا؛ إذ استطاع العلماء قياس المدة التي تستغرقها النبضة لسحب الإلكترون من الذرة، ومعرفة كيفية تحرك الإلكترونات داخل الجزيئات أو المواد، وهو أمر ضروري لمعرفة خصائصها، وقد تساعد نبضات ضوء الآتوثانية في تشخيص الأمراض في عينات الدم، عن طريق تحريض الجزيئات وإثارة استجابة في منطقة بصمة الأصابع (2).

كذلك تقدم فهمًا عميقًا لديناميكية الإلكترونات وتطبيقاتها، وفي حين يمكِّن استخدام ليزر الفيمتوثانية (الفيمتوثانية الواحدة هي 1000 آتوثانية) من مراقبة التفاعلات الكيميائية عن كثب، فإن نبضات الآتوثانية دقيقة لدرجة أنه يمكن استخدامها في دفع الإلكترونات نفسها، مما قد يؤدي إلى التغيير من المراقبة غير الفعالة إلى التحكم النشط في الكيمياء على مستويات جديدة تمامًا، كما يمكن لتلك النبضات التحكم في خصائص المواد الصلبة، وتحويل المواد العازلة إلى موصلة والعكس (3). 

وجدير بالذكر أن العالم المصري أحمد زويل (Ahmed H. Zewail 1946-2016) حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 من خلال بحثه الرائد في التفاعلات الكيميائية الأساسية، إذ استخدم ومضاتِ ضوء قصيرة جدًّا تُقاس بالفيمتوثانية، وأحدثت مساهمته ثورةً في الكيمياء والعلوم الأخرى، وأتاح هذا النوع من الأبحاث فهمًا للتفاعلات المهمة والتنبؤ بها (4).

المصادر:

1. Castelvecchi D, Sanderson K. Physicists who built ultrafast “attosecond” lasers win Nobel Prize. Nature [Internet]. 2023 Oct 3 [cited 2023 Oct 5];622:225–7. Available from: هنا

 2. Cho A, Clery D. Sculptors of the shortest flashes of light win physics Nobel [Internet].     Science; 2023 [cited 2023 Oct 6]. Available from: هنا

3. Garisto D. This Year’s Physics Nobel Awards Scientists for Slicing Reality into Attoseconds [Internet]. Scientific American; 2023 [cited 2023 Oct 6]. Available from: هنا

4. The Nobel Prize in Chemistry 1999 [Internet]. NobelPrize.org; 2023 [cited 2023 Oct 6]. Available from: هنا