كتاب > روايات ومقالات

في ذكرى ميلاد القاتل: رواية العطر

استمع على ساوندكلاود 🎧

اليوم العاشر من تموز - يوليو ذكرى اليوم الحار الذي ولد فيه جان باتسيت غرنوي عام ١٧٣٨ ، حيث ولد القاتل الغامض، الباحث عن الرائحة المبهرة النقية في باريس التي تعج برائحة الغائط والبول وتفسخ الجلود وتعفن الخضراوات .

غرنوي الذي كان يرفضه الجميع ، هذا الشاب الأعرج صاحب الدمامل كيف لنا أن نحتفل بميلاده، وهو الوحيد الذي لا رائحة له في عالم مليئ بالروائح .

غرنوي لم يكون ساحراً أو مبصراً أو شخصاً يحاول كسب المال من حواسه ، كان شخص مثلنا تماما ويملك نفس الحواس .. بل ربما أقوى.

كيف لنا أن نحتفظ بالعطر .. ربما هذا هو السؤال الذي ألح على غرنوي ، أو لربما ألح على الكاتب باتريك زوكسيد المهووس بوصف التفاصيل من رائحة الهواء إلى روائح الرجال والنساء ،مروراً برائحة الشراشف ، شحم الخراف ، رائحة الكبريت التي تملؤ المدينة واختلاف روائح ماء المستنقعات الباردة والدافئة الى رائحة الخشب الرطب والزهور بأنواعها، فلابد أنه جسّد كل تساؤلاته بشخصية غرنوي الذي كان قاتلاً وضحية ،ضحية تساؤلات باتريك حول التفاصيل وحفظ الروائح فهناك من كان يحفظ اللحظة من خلال رسم صورة ، وآخر قد يحفظ العبارات والشعر والقصص بالكتابة ، لكن العطر يزول ، فما هو الأسلوب الصحيح لحفظه والعودة اليه حين يغزونا ذاك الحنين لتلك اللحظة ؟

الرائحة قد تمنح السعادة وغرنوي وصل إلى نشوة السعادة التي سرعان ما تختفي، جاهد في الحصول عليها مرة أخرى، تملكها، وبات يحدد اللحظة التي ينتشي فيها بملئ إرادته، النزوة منحت غرنوي سر سعادته،، لكن النزوة باتت عادة، ثم إدمانا لا يمكن التخلص منه وكلما استطاع الوصول إلى نشوته تلك أراد المزيد.

الكاتب ليس مهووساً بالتفاصيل حول الروائح فحسب، بل بتفاصيل الرواية بكل مافيها من زمانٍ ومكانٍ وشخصيات ، إلى درجة تستطيع معها رسم صورة مكتملة عن باريس، احتفالاتها، نهرها ، شوارعها، أسواقها، إلى حد أنك تستطيع في مخيلتك المرور من نهر السين عبر الشوارع والأزقة متجها إلى مقبرة الأبرياء الواقعة بين شارع أوفير وشارع فيرونيري هناك حيث تقع مقبرة مونمارتز الجماعية التي تحوي جثث الموتى الذين كانوا نزلاء في مستشفى نزل الرب أو لربما من ضفة نهر السين إلى مسرح الجريمة الأولى .

ربما لن تستطيع تكوين هذه الصورة بدقة ان لم تقرأ الرواية ، لذا ندعوك لقرائتها واستنشاق عطور غرنوي الساحرة عبر الصفحات الـ 288 للرواية التي ترجمها نبيل الحفار الى العربية بابداع .

الكاتب والروائي الألماني زوكسيد الذى ولد قرب جبال الألب وبالضبط على ضفة بحيرة شتارنبرج في أمباخ بتاريخ 26 آذار - مارس 1949 ربما كان لدراسته مادة التاريخ في جامعة ميونخ الأثر في كتابة تاريخ العطر عبر رواية العطر، هذه الرواية التي كتبها عام 1985 وتُرجمت إلى 46 لغة عالمية، والتي بيع منها ما يفوق 15 مليون نسخة حول العالم.

هذه الرواية التي قد تعد شرحا روائيا لبدايات العطور في باريس وانتقال المدينة الفرنسية من جو تملؤه الروائح الكريهة الواخزة إلى أشهر المدن الأوروبية في صناعة واستخلاص العطور، ولربما أن والده فيلهام إيمانويل الكاتب والمترجم في صحيفة زودويتشيه تسايتونج" كان له أثر في خلق الإبداع لديه وظهور ميله للأدب والكتابة.

نأمل أن تكتشفوا تركيبة عطر هذه الرواية وتطلعونا على آرائكم بقوة تأثيرها.