كتاب > روايات ومقالات

هناك حيث تروي الأشجار قصتها! مراجعة رواية جزيرة الأشجار المفقودة

هل نظرتَ يومًا إلى العالمِ عن طريق عيني شجرة؟ أم هل أملْتَ أُذنَيك مرةً علَّكَ تصغي لما قد تقول؟

نعم إن الأشجار تتكلم، إنها ترى وتشعر وتعرف كثيرًا عن هذه الأرض وعن كل ما يتحرك فوقها،

وإن كنت لا تعلم، ربما هذا ما سيرافقك من شعور أمام كل شجرة تصادفها بعد قراءة هذه الرواية،

فتسأل عن تاريخها وأصلها ومعارفها، وأكثر ما قد يكون مؤلم عن ذاكرتها!

"الأشجار خزنة للذاكرة، فهناك تحت جذورنا أو في دواخل جذوعنا تتشابك أوتار التاريخ، وحطام الحروب التي لم ينتصر فيها أحد، ورفات المفقودين."

كان هناك فرصة لشجرة تين متألمة في رواية جزيرة الأشجار المفقودة لتخبر كثيرًا من القصص التي شهدتها دون أن يعلم أحد بذلك؛  إذ ترى أنه ليست فقط طبقات الخشب هي من تشكل هذه الشجرة، بل لها طيات ذاكرة تمتد قرون في تاريخ هذا العالم، فهذه الشجرة القبرصية عرفت آلام جزيرتها، بشرًا وحجرًا وطبيعةً، إذ مزقت الجزيرة الاختلافات الدينية الأحقاد والأحزاب حرب أهلية دامية لا منتصر فيها، وحواجز وأسلاك واحتقانات سرقت اكثيرًا من جمال ودفء قبرص، ومُنعت الحياة الاجتماعية واستطاع فقط الحب أن يجتاز كل هذه السوداوية ويعبر أسلاك الحرب المُدمية، لكن هل ينجو بنفسه؟ أم أن لهذا ثمن باهظ سيُدفع لبقية الحياة!

كوستاس وديفني هما مسيحي ومسلمة، يوناني وتركية. نعم إنهما مختلفان لكنهما قبرصيان حقًا، ومنتميان فعلًا ومخلصان أبدًا. لم يكونا مجرد متمردين عبثيين للانتفاضة على مجتمعهم المثقل بتاريخ من الأحقاد، بل هما متمردين لمجرد أنهما عرفا الحب، ففي خضم كل هذه الحروب يبدو الحب تمردًا استثنائيًّا، وهكذا كان، فعلى الرغم من انفصالهما، فعادا من جديد ليلتقيا هذه المرة إلى الأبد، مثمرين بكيان مستقل، وحاولوا إبعاده عن هذا الماضي، وكل الألم الذي عاشوه بسبب انتمائهم، فذهبوا ليزرعوا حبهم في لندن؛ أرض أخرى علّها تأتي بروحٍ لا تعرف كل ذاك الألم.

آدا؛ ثمرةُ هذا الحبِ الحالم بالحرية والجمال، لكنها خالفت توقعات والديها، فإذا بها تجد نفسها في ماضي لا تعرف عنه أي شيء، لكن تشعر أنه يقيم بداخلها، وتشبه كثيرًا شجرة التين التي أحضروها معهم من قبرص، ظنًا منهم أنها سوف تحيا طبيعيًّا في بيئة مغايرة، وهذا صحيح لقد عاشت تماشت مع كل التغيرات، لكنها لم تكن هي، فعلى الرغم من محاولة التكيّف، فإنها بقيت عالقة في الحديث عن الجذور، والهجرة القسرية من الوطن، والحنين الدائم لشيء لن يعود، فكان الألم الموروث هو ما يحيط بهما معًا، آدا وشجرة التين.

لم ينتبه كوستاس وديفني على الرغم من كل محاولة لإبعاد ابنتهما عن الماضي، فهم أصلاً أعطوها اسمًا يعني الجزيرة، إذاً؛ الإنسان يرث ويؤرث أشياء غير قادر على ضبطها، ففي الحروب والنزعات والصراعات الداخلية، سواء كنت ضحية أم ناجٍ أو حتى ثائر، لا يلغي انتمائك لهذه البشرية التي تتفرد عن كل الكائنات الأخرى بكم الحروب والقتل والإبادة، وكل ما ينتج عنهم من جروح تستقر في الأرواح، فالإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يتألم في الحروب على الرغم من أنه من يقوم بها، فإن للأشجار والحيوانات وحتى أصغر الحشرات أرواح تتعذب، وتشعر وتفقد أيضًا، وماذا يحدث بعد انتهاك الأرواح إثر الحروب؟ هل ينته هذا الألم بمجرد أن نهاجر؟ أم أنه سيعود دومًا لمصادفتنا؟ فمهما ابتعدنا جغرافيًّا عنه، إلا أننا نحمل جذوره معنا أينما ذهبنا. حتى وإن كنا شجرة.

العنوان: جزيرة الأشجار المفقودة

المؤلف: اليف شافاك

المترجم: أحمد حسن المعيني

الناشر: دار الآداب. 2022

عدد الصفحات: 367

إعداد:  Fadia Farah