الطب > مقالات طبية

لماذا نبكي؟.. وهل البكاء مضر بالصحة؟

البكاء ظاهرة مميّزة عند البشر، فهو استجابة طبيعية لطيفٍ من المشاعر؛ من الحزن العميق والمرارة إلى أشد درجات السعادة والفرح.

ليست كل الدموع سواسية؛ إذ تقسم بحسب مكوناتها ومسببات خروجها إلى ثلاثة أنواع رئيسة: الدموع الانعكاسية التي تظهر عند تخريش العينين بالأبخرة أو الدخان أو عند لمسهما، والدموع المستمرة (القاعدية) التي  تنتج كلما رمشنا بهدف حماية العينين من المخرشات وترطيبها، والنوع الثالث هو الدموع العاطفية التي تمتلك تركيبة مميزة خاصة بها، إذ تحوي كمية أعلى من البروتينات والعناصر المعدنية كالبوتاسيوم والمنغنيز، إضافة إلى بعض الهرمونات كالهرمون الموجه لقشر الكظر الذي يزداد إفرازه في حالات الشدة (1,2).

يعرف البكاء العاطفي على أنه ذرف دموع من الجهاز الدمعي بغياب أي تخريش للعينين، وهو يترافق كذلك بتغيرات بالعضلات الوجهية وإصدارات صوتية وبالتنهد، وكما ذكرنا فإن هذا الشكل من البكاء حصريٌ للبشر، ولكن ذكرت بعض الحالات المعزولة لما يبدو أنه دموع عاطفية في حالات فردية عند بعض الحيوانات، أحصنة وغزلان وغوريلا وفيلة، لكن لا يوجد إلى الآن دلائل كافية على تظاهرها لدى الحيوانات (3).

لكن ما هو أصل فعل البكاء؟

يتشارك رضع البشر بنداء الاستغاثة مع معظم صغار الثدييات والطيور، الذي غالبًا ما يظهر عند فصلهم عن أمهم، وهذا المنعكس غالبًا فوري، ويبدو أن أصل البكاء لدى البشر يقع في نداءات الاستغاثة التي تحرض أفعال المساعدة والرعاية.

لكن يوجد اختلافان أساسيان، إذ إنها تظهر لدى الحيوانات فقط خلال مراحل الحياة الباكرة، وغالبًا ما تقتصر على الأصوات أما لدى البشر فإن ذرف الدموع صفة أساسية للبكاء (4,2).

فيزيولوجيا البكاء

الجملة العصبية الذاتية المسؤولة عن العمليات اللاإرادية كنبض القلب والتنفس؛ تنقسم إلى قسم ودي مسؤول عن استجابة القتال أو الهرب وقسم نظير ودي مسؤول عن الراحة والعودة إلى الحالة الطبيعية، ودورهما بالبكاء لا يزال غير واضح.

تعصب الغدد الدمعية من قبل كل من الأعصاب الودية ونظيرة الودية؛ لكن يطغى التعصيب نظير الودي عليها وهو المسؤول عن زيادة إنتاج الدمع. الجملة نظيرة الودية مسؤولة عن حفظ الطاقة وتقليل معدل نبضات القلب، وهي مهمة من أجل عمليات لها علاقة بالراحة والاسترخاء والتعافي، وإلى الآن هناك فرضيتان عن البكاء:

- البكاء فعل تحفيزي يترافق مع الكرب.

- البكاء فعل مريح يساعد على تخفيف الانفعال بعد الكرب.

لا تزال معرفتنا عن الآلية العصبية النفسية المصاحبة للبكاء محدودة، لكن وجدت دائمًا زيادة في الفعالية الودية عند البكاء (ازدياد معدل دقات القلب)، أما عن تفعيل نظير الودي فإن الموجودات كانت مختلطة، إذ لوحظت زيادة في فعالية نظير الودي عند نهاية البكاء، وفي النهاية يبدو أن البكاء إشارة للتعبير عن الكرب واستعادة التوازن النفسي في الوقت نفسه (2,4).

ما الذي يجعلنا نبكي؟.. وبعض الاختلافات في البكاء:

هناك طيف واسع من الأحداث التي يعيشها الأفراد، التي من شأنها أن تحرض البكاء، وبالتركيز على المشاعر فإن الشعور الأكثر قدرة على تحريض البكاء هو الشعور بالعجز والضعف بالتآزر مع مشاعر أخرى كالحزن والغضب، وفي حالة المشاعر الإيجابية فقد كان انغمار الشخص بالسعادة والرفعة والامتنان هو ما حرض الدموع.

وعن الاختلافات بين الجنسين وجد أن النساء يبكين مرتين إلى أربع مرات أكثر من الرجال، وكذلك وجد أن الرجال يبكون لأسباب إيجابية أكثر، بينما النساء كنَّ أكثر حساسية للبكاء في مواقف النزاع، أما مواقف الفقدان والرفض فلم يوجد فرق بينهما، وكذلك فإن الأشخاص الداخلين في علاقات عاطفية معرّضون للبكاء أكثر من العازبين (3).

هل للبكاء فوائد صحية؟

عند سؤال عامة الناس إن كانوا يظنون أن البكاء مفيد فإن أكثر من 70% قد أجابوا بنعم، وأن البكاء يساعدهم على التحسن، ولا يقتصر الأمر على العامة إذ إن خبراء الصحة النفسية أيضًا يؤمنون بفوائد البكاء وحتى 70% منهم يشجعون مرضاهم على البكاء، وعمومًا وجد أن هذا التحسن بالمزاج لا يلي البكاء مباشرة بل يظهر بعد البكاء بمدة 20-90 دقيقة، ولم يلاحظ  تحسن مشابه لدى من لم يبكوا (3).

يمكن وصف البكاء بأنه صمام أمان؛ إذ إنه من الصعب أحيانًا الإبقاء على مشاعرنا وكتمها، ويقر علماء النفس أن قمع المشاعر وكتمها أمر مضر بالصحة، فقد ارتبطت طريقة التأقلم السابقة بارتفاع الضغط والأمراض القلبية وجهاز مناعة أقل كفاءة وحالات نفسية كالقلق والاكتئاب، فبعد كل حالة ضغط أو مشكلة تسعى أجسامنا إلى العودة إلى حالة الراحة، والبكاء يساعدنا على استعادة التوازن لأنظمتنا العاطفية (5,2).

تقطيع البصل والبكاء:

ما الذي يجعل تقطيع البصل محزنًا إلى تلك الدرجة؟

يحتوي البصل على مركبات كبريتية تدعى السلفوكسيدات sulfoxides، التي سرعان ما تتحول إلى غاز عند تقطيع البصل، ويحوي البصل الأبيض الأحمر والأصفر تراكيز عالية من الأنزيم الذي يشكل ذلك الغاز، أما البصل الحلو والأخضر فهما يحتويان على تراكيز أقل، وقد يكون بعض الأشخاص ذوي حساسية أعلى تجاه تلك الغازات المنبعثة ولكنها آمنة تمامًا على العينين (6).

طرائق تواصلنا بين بعضنا نحن البشر شديدة التعقيد، وتعد اللغة من أهم الأمور التي ساعدتنا على التواصل، والدموع قادرة على إيصال رسائل قوية، فهي قد مزجت المشاعر المجردة بدماغٍ بشري قادر على التعبير عن تلك الأحاسيس البدائية (2).

المصادر:

1.Nakamura S. Neural Circuit of Tear Secretion. Brain and Nerve [internet]. 2021 [cited 2023 Aug 3];73(11):1217-1223. Available from: هنا

2. Efran JS, Spangler TJ. Why grown-ups cry. Motiv Emot [Internet]. 1979 [cited 2023 Aug 1];3(1):63-72. Available from: هنا

3. Vingerhoets A, Bylsma L. The Riddle of Human Emotional Crying: A Challenge for Emotion Researchers. Emotion Review [Internet]. 2016 [cited 2022 May 27];8(3):207-217. Available from: هنا

4. Bylsma L, Gračanin A, Vingerhoets A. The neurobiology of human crying. Clinical Autonomic Research [Internet]. 2018 [cited 2022 May 27];29(1):63-73. Available from: هنا

5. Mund M, Mitte K. The costs of repression: a meta-analysis on the relation between repressive coping and somatic diseases. Health Psychol [internet]. 2012 [cited 2023 Aug 3];31(5):640-649. Available from: هنا

6. Common eye disorders and diseases [Internet]. Centers for Disease Control and Prevention; 2022 [cited 2023 Aug 1]. Available from: هنا