الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

من أنا؟ وما الذي يحدد هويتي؟

تتعامل فكرة الهوية الذاتية (Personal Identity) مع الأسئلة الفلسفية المتعلقة بتحديد ماهية الأشخاص (persons) كونهم كائنات حية وواعية وأخلاقية، لتدفعنا إلى التساؤل حول ما نحن؟ متى بدأنا؟ وإلى أين نذهب بعد الموت؟

هي أسئلة طرحها عدد من الفلاسفة الكبار وترافقت مع نشوء الفلسفة الغربية (1).

لنفترض أُجريت جراحة ونُقل دماغك إلى جسد شخص آخر، هل هذا الشخص الآن أنت أم هو؟ هل أنت مسؤول عن تصرفاته ويهمك أمره؟ هنا قد يهمنا الشخص الذي هو تتمة نفسية لنا، إذ إن لدينا جميعًا اهتمام أناني بأنفسنا نرغب في نقله إلى الشخص الجديد المتمم لنا (1).

وينص السؤال ما نحن؟ على معنى تجريدي لوجودنا، هل يوجد لكل منا شيء إضافي يجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض؟ هل نحن مادة فقط ولا نتعدى حدود وجودنا الفيزيائي؟ أم نحن وجود معنوي فقط لا مادي؟ واختلفت وجهات نظر الفلاسفة في الإجابة عن هذا السؤال، نذكر منها رأي أفلاطون (Plato)  باعتقاده أن البشر جزئيًّا كائنات لا مادية (أرواح)، أما ديفيد هيوم (David Hume) فيرى أن البشر عبارة عن مجموعة من الأفكار والأحداث (تجمعات من البصيرة "Bundles of Perception")، ويرى برتراند راسل (Bertrand Russell) أننا لا شيء وأننا لا نوجد فعلًا، في حين يرى آخرون  أن البشر كائنات بيولوجية عضوية مادية مثل الحيوانات، عبارة عن ماضي ومستقبل الكينونة التي تملك أجسامنا (1).

وأجاب جون لوك (John Locke) بأن الهوية الذاتية هي الوعي (المؤلف من الذاكرة)، ولا يعتمد وجودها على مادة الجسد أو الروح، وافترض أن الوعي ينتقل من روح إلى أُخرى، إذ يمكن أن تتغير الروح ويبقى وعي الشخص الذي يمثل هويته، وأصر أن الإنسان يولد صفحة بيضاء "Tabula Rasa"، وعارض الفرضية الديكارتية بأن الروح هي أساس هوية الإنسان، ,وفكرة أوغستين بأن الإنسان مُذنب في أصله (2).

وانتقد جوزيف باتلر وتوماس ريد (Thomas Reid and Joseph Butler) آراء جون لوك ووصفها باتلر "بالخطأ الرائع" "wonderful mistake"، واُستخلِصَ أن فرضية جون لوك لا يمكن أن تكون صحيحة، بدليل أنه عندما يصاب الإنسان بفقدان الذاكرة لا يفقد ما يجعله هو، فالمادة في الدماغ هي التي تصنع الذاكرة والوعي، ولا يمكن أن تكون الذاكرة هي الهوية دون المادة، رغم ذلك أدت نظرية جون لوك عن الهوية الذاتية إلى تطوير طب النفس ونشوء الارتباطية (Associationism) التي تربط التفكير والتعلم والذاكرة ببعضها (2).   

إن الهوية الذاتية مشكلة قديمة قدم الفلسفة الإغريقية، واستمر نقاشها مع بداية الفلسفة الحديثة، كونها حالة ميتافيزيقية مؤلفة من مراحل متصلة للشخص خلال زمن معين أو صفة لذات واحدة، وتبعًا للفلسفة التحليلية يمكن تلخيصها في منظورين: منظور المذهب الاختزالي الذي ينص على أن الهوية تتحدد باستمرارية نفسية أو جسدية، وغير الاختزالي الذي ينص على عدم وجود معيار ثابت لها (3). 

وأنتم أصدقاءنا، من أنتم؟ وكيف تحددون هويتكم وتميزونها عن غيرها؟

المصادر:

1. Olson ET. Personal Identity [Internet]. Stanford Encyclopedia of Philosophy. 2002 [revised 2023 Jun 30; cited 2023 Jul 9]. Available from: هنا

2. Nimbalkar N. John Locke on Personal Identity. Mens Sana Monographs [Internet]. 2011 [cited 2023 Jul 9];9(1):268–75. Available from: هنا

3. Olifer O. The introduction of the problem of personal identity in the university course of philosophy. SHS Web of Conferences [Internet]. 2021 [cited 2022 May 29];104:02005. هنا