كتاب > معلومة سريعة

كيف يكون جسد الإنسان مفتاحًا لأمور أكثر تعقيدًا؟ مراجعة رواية "عالم التشريح"

يتركنا الكاتب الأرجنتيني (فيديريكو أندهازي - Federico Andahazi) المولود عام 1963، أمام قصة تتسم بالذكاء في المقام الأول؛ إذ يقدّم لنا هذا الصراع القديم بين جسد الإنسان وفضوله لاكتشاف أشياء كالجنس والمتعة والحب من جهة، والسلطة الدينية التي تحكم قبضتها على المجتمع وطريقة تفكيره من جهة أخرى!

عندما وصل البحار الإيطالي ( كريستوفر كولومبوس) إلى أمريكا لأول مرة، كان قد أدرك منذ اللحظة الأولى أنه اكتشف شيئًا سيغير شكل العالم. وصرخ بذهول هو وبحارته: (اليابسة.. اليابسة). صرخ عالم التشريح (ماتيو كولومبوس) بالذهول نفسه عندما اكتشف شيئًا كان يعرف أنه سيغير شكل العالم ونظرته إلى جسد الأنثى، وربما نظرته إلى الحب والجنس والدين وكثير من المعتقدات التي كانت شائعةً في عصر النهضة.

إن ما اكتشفه (كولومبوس) بطل رواية (عالم التشريح) لم يكن أرضًا ما، وإذا نظرنا إلى اكتشافه في عصرنا الحالي قد لا نفهم سبب الأزمة التي صنعها اكتشافه هذا.

ماذا يعني اكتشاف البظر؟ ولماذا قد يعدُّ ورطةً لمجتمع كامل بسلطاته الدينية وعرفه الاجتماعي ويهدد بتدمير هيكله وتغييره؟

للإجابة على هذه الاسئلة، يجب أن نعود إلى عصر النهضة في أوروبا، وننظر إلى طبيعة الحياة في ذلك الوقت، فقد كانت السلطة الدينية هي الحاكم الأساس للمجتمع كاملًا، وكانت المسؤولة عن تنظيم تفاصيل الحياة جميعها من أكبرها لأصغرها. وبطبيعة الحال، كانت القوانين والقواعد التي تحكم المجتمع تصب في مصلحة رجال الدين في المقال الأول. وكانت طريقة التفكير السائدة تنطوي على تهميش النساء إلى درجة الشك بأنهن ينتمين للصنف البشري كالرجال تمامًا، حتى أن أحدًا لم يكن يعرف أن المرأة مثلًا تشعر بالمتعة كالرجل!

وقد بدأت قصة عالم التشريح عندما كان يحاول علاج مريضة ما، ولم يكن يعرف أن الأمر سيتطلب منه أن يغوص في رحلة اكتشاف لجسد الأنثى وخباياه التي لم يعرفها أحد بعد. لذلك؛ راح (كولومبوس) بطل روايتنا يتنقل بين العاهرات لكي يكتشف سر المتعة الخاصة بالجسد الأنثوي، وخاض رحلةً مماثلةً لرحلة كولومبوس مكتشف أمريكا قبل أن يعثر على السر الذي كان يبحث عنه.

كان من الضروري وصف هذه الرواية بكلمة ما، فالكلمة الأنسب هي أنها رواية ذكية. فقد استطاع الكاتب اعتمادًا على قصة عالم التشريح أن يوضح لنا كمية الجهل التي كانت تحيط بتشريح جسد الأنثى آنذاك، وكيف أن هذا الجهل كان يصبّ في خدمة رجال الدين الذين يطمحون إلى إبقاء المجتمع وطبيعة حياته خاضعًا لسلطتهم. وأن الفكرة الأساس وراء قصة عالم التشريح هي أن اكتشاف تشريح جسد الأنثى قد كان بدايةً لأشياء كثيرة أكبر بكثير من اكتشاف طبي، فقد كان هذا الاكتشاف بدايةً لإدراك الإنسان لجسده ورغباته وفرديته وحريته في الاختيار، ولفهمه أمورًا كثيرةً كحقيقة الحب وحقيقة الدين!

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: عالم التشريح

الكاتب: فيديريكو أندَهازي 

المترجم: د. مالك سلمان

تاريخ الإصدار: 2017

الناشر: دار التكوين

عدد الصفحات: 200

إعداد:  جنى الغضبان