التعليم واللغات > اللغويات

اللغة الإنكليزية وسيلةً للتدريس؛ التحديات والحلول الممكنة.

كُنا قد اطلعنا في مقالٍ سابق على النظرة العامة إلى ظاهرة التدريس باللغة الإنكليزية والأسباب التي أدت إلى انتشارها، لكن دعونا فيما يلي نُسهب في التفاصيل المتعلقة بالعوائق المرافقة لتطبيق هذا الأسلوب التعليمي وبعض الحلول الممكنة.

التحديات المرتبطة بتطبيق الإنكليزية بصفتها وسيلة للتدريس

طُلِب من 55 شخصًا من الهيئة العاملة في المجلس الثقافي البريطاني في دول مختلفة ذكر المشكلات الموجودة المرتبطة مباشرة بالتدريس والتعلم في سياق اللغة الإنكليزية بصفتها وسيلة تدريس، وسنذكر هُنا بعض النقاط التي تناولتها هذه التقارير:

1. النقص في كوادر المعلمين القادرين على التدريس باللغة الإنكليزية.

2. نقص الموارد.

3. الافتقار إلى إرشادات واضحة للتدريس.

4. سياسات واضحة بخصوص ما إذا كان يجب استخدام اللغة الإنكليزية وحدها أو السماح باستخدام مزيج من اللغة الإنكليزية واللغة الأولى، أو التوصية بهذا.

5. الموضوعات أو المواد التي تُدرَّس باللغة الإنكليزية.

6. الاختبارات والتقييم.

7. العمر الذي يبدأ فيه التدريس باللغة الإنكليزية والسياسات المتعلقة بالعمر.

8. تحديد مستوى اللغة الإنكليزية المعياري الذي يجب أن يتقنه المعلمون المنوط بهم التدريس باللغة الإنكليزية.

9. دور المعلمين المتغير.

10. دور مراكز اللغة ومعلمي اللغة الإنكليزية (1).

وبعد إجراء استطلاع لآراء 527 طالبًا وطالبةً في السنة الجامعية الرابعة و87 شخصًا من الهيئة التدريسية في تركيا -إذ طُلِب تقييمهم لكل من اللغة التركية أو الإنكليزية بصفتها لغةً للتدريس- أظهرت النتائج أن اعتماد الإنكليزية وسيلةً التدريس أخفق في إيصال المحتوى الأكاديمي بفعَّالية (2). 

وفي دراسة شملت طلابًا وطالبات من ثلاث جامعات تركية تعتمد تدريس المواد والتخصصات باللغة الإنكليزية وصلت النتائج إلى أن أهم التحديات التي واجهت الطلبة هي:

إيجاد صعوبة في فهم محتوى موادهم في الجامعة التي تُدرَّس بالإنكليزية، وذلك بسبب جهلهم بالمصطلحات التقنية والمفردات الأكاديمية بهذه اللغة.

صعوبة في فهم لغة المُحاضِرين وذلك غالبًا لكون مستواهم في اللغة الإنكليزية غير جيد كفاية، بالإضافة إلى أن بعضهم يشرح المواد بالتركية ويطرح الأسئلة بالإنكليزية وهذه المشكلة تخلق إرباكًا للطلبة عند وجود الكثير من التناوب اللغوي (Code-switching) أو التبديل بين اللغتين في أثناء المحاضرات والشرح باستخدام اللغة الأم، ومن ثم يُجرى التقييم والامتحانات باللغة الإنكليزية.

بالرغم من أن الفئة الطلابية المُستهدفة في البحث خضعت لسنة تحضيرية للغة الإنكليزية -إلا في حال تحديد مستواهم اللغوي مسبقًا على أنه جيد- شعر العديد من الطلبة بأن برنامج الدراسة لم يكن كافيًا ولم يُلبِّ احتياجاتهم؛ الأمر الذي وضعهم أمام صعوبات في فهم المادة الدراسية فيما بعد.

شعر العديد من الطلبة بعدم القدرة على التعبير عن أنفسهم براحة أو المشاركة في النقاشات كما يريدون في المحاضرات ولهذا فقدوا ثقتهم بأنفسهم.

وكذلك وجد بعض الطلاب صعوبة في الاستماع إلى المحاضرة من جهة وتسجيل الملاحظات من جهة أُخرى في الوقت نفسه (2).

في الحقيقة، يُعد اعتماد اللغة الإنكليزية لغةً للتعلم مُسببًا للتسرب المدرسي المتفشي في عدة قارات. ففي بعض البلدان الأكثر فقرًا في العالم يرتبط اعتماد لغة أجنبية كالإنكليزية للتدريس في المدارس ارتباطًا مباشرًا بالحرمان والإخفاق التعليمي. ما يأخذنا إلى السبب وراء حدوث هذا الأمر؛ ففي ببعض القارات تُؤدي محاولة تعلم المناهج كاملةً باللغة الإنكليزية إلى خلق الارتباك واليأس لدى المتعلمين، ما ينتج عنه معدلات عالية من التوقف عن الدراسة. لذلك من المهم عند النظر إلى النتائج التعليمية في أي دولة أن نأخذ في الحسبان اللغة المستخدمة في التدريس؛ إذ قد تشكل عائقًا تعليميًّا وخصوصًا إن لم يمتلك الطلبة مستوى كافيًا من إتقان تلك اللغة (3).

في حين يُصر واضعو السياسات في العديد من البلدان على إدخال التدريس باللغة الإنكليزية في أنظمة التعليم لأسباب تتعلق بالتدويل وزيادة النمو الاقتصادي ورفع مكانة التعليم نجد أنهم يهملون النظر إلى الموارد التعليمية اللازمة لضمان تنفيذ هذا الأسلوب التعليمي تنفيذًا سليمًا كالتقييم والتدريب الكافيين للمعلمين (1).

يَعدُّ بعض المعلمين الذين يُدرِّسون مادة معينة في الجامعات أن مهمتهم ليست تحسين لغة الطلاب الإنكليزية أو تصحيحها حين يُجيبون عن الأسئلة المتعلقة بالمادة، وإنما تنحصر مهمة المُدرس أو المدرسة في نقل المعلومات إلى الطلبة عبر اللغة الإنكليزية (1).

وهُنا نستطيع ملاحظة فجوة بين الأجيال في العديد من البلدان بما يخص تطبيق هذا الأسلوب؛ فكان ظاهرًا أن المعلمين الأصغر سنًّا متكمنون من اللُّغة الإنكليزية، في حين ظهرت حقيقةً معاناة المعلمين الاختصاصين للمواد ممن كانوا أكبر سنًّا وأكثر خبرة عند تدريس محتوى موادهم باللغة الإنكليزية (1).

وقد أوردت تقارير صادرة عن المجلس الثقافي البريطاني في أكثر من خمسين دولة حدوث تراجع وتغيير شامل في تطبيق هذا الأسلوب (التدريس باللغة الإنكليزية)، وقد أُشير إلى أن الأسباب كانت إما سياسية أو بسبب احتجاج المعلمين أو أُعزي الموضوع إلى الاختلافات بين القطاعين العام والخاص أو الخوف من أن أداء الطلبة كان سيئًا عند تطبيق التدريس باللغة الإنكليزية (1).

كيفية تقييم مستوى الإنكليزية للمُحاضرين بمحتوىً مُعين

ركزت بعض الأبحاث على الحد الذي يجب من خلاله تقييم المُحاضرين الذين يُدرِّسون محتوى مادة معينة من أجل البت حيال قدرتهم على التدريس باللغة الإنكليزية، تحديدًا أولئك الذين لا تُعد الإنكليزية لغتهم الأم. وباستطلاع أُجري عام 2018 على 70 جامعة في أوروبا بينت النتائج أن أكثر من ثلاثة أرباع هذه الجامعات تتطلب من المُحاضرين مستوى معينًا من اللغة الإنكليزية. تتطلب الغالبية العظمى من الجامعات تقريبيًّا المستوى الذي يُعادل B2 بحسب الإطار الأوروبي المرجعي الموحد (CEFR) أو مستوى CEFR C1 المتقدم، وأقلية صغيرة من هذه الجامعات طلبت CEFR C2 الذي يُعد مستوى الإتقان الأعلى للغة. لكن ومع ذلك فمن الجدير بالذكر بأنه ليس واضحًا تمامًا كيف تُنفَّذ هذه المتطلبات وما إذا كانت تُنفَّذ عمليًّا (4).

على الرغم من أنه غالبًا ما ينفي وينكر محاضرو المحتوى بوضوح وعلانية فكرة أنهم مُدرسون للغة فلا يمكننا تجاهل وجود العناصر المتعلقة باللغة ضمن ممارسات التقييم الحالية، حتى في المجالات التي لا ترتبط باللغة ارتباطًا مباشرًا. فمثلًا قد يرتكز جزء من تقييم الطلبة الذين يدرسون علم الحيوان والفيزياء على أساس البناء وطريقة الكتابة والعرض للوظائف الموكلة إليهم.

وبالرغم من أن المحاضرين في دورة بيطرية في إحدى الجامعات الإسبانية أنكروا أنهم مدرِّسو لغة فهم يقيِّمون مهارات العرض والتقديم الشفهي للطلاب باللغة الإنكليزية بالإضافة إلى تقييم فهمهم للمحتوى. قد يكون الطريق الواقعي والعملي للمضي قدمًا هو الاستفادة من هياكل التقييم الموجودة أساسًا، مع منح اللغة مكانًا أكثر بروزًا داخل هذه الإطارات بتسهيل تحقيق تعاون أكبر بين خبراء اللغة وخبراء الموضوع والمحتوى المقدَّم. سيكون من الضروري أيضًا إقناع أولئك الذين يمسكون بزمام الأمور المالية في المؤسسات أو البلاد التي تطبق سياسة التدريس باللغة الإنكليزية أن مثل هذا التعاون قد يدعم الأهداف المؤسسية والتعليمية لتعزيز التعلم والتربية (4).

الحلول المُقترحة

قدم الطلبة في الجامعات التركية بعض الاقتراحات -في الاستطلاع الذي أشرنا إليه أعلاه- لتجنب الصعوبات التي يواجهونها في تلقيهم المعلومات التي يقدِّمها إليهم المحاضرون، وتضمنت:

وجوب تعيين أساتذة ومُدرسين أجانب ومحليين على حدٍّ سواء يتكلمون الإنكليزية بطلاقة.

رغبة الطلبة بأن يستخدم المحاضرون اللغة الانكليزية باستمرار في المحاضرات خلال دراستهم للبرنامج الأكاديمي.

 الحاجة إلى أن يكون المنهاج المعتمد في السنة التحضيرية للغة الإنكليزية أكثر شموليةً ليساعدهم على تطوير مهاراتهم جميعها كي يكونوا قادرين على الاستمرار في البرنامج الأكاديمي الذي يُدرّّس باللغة الإنكليزية (2).

في النهاية يمكن الاستنتاج أنه في حال كان استخدام اللغة الإنكليزية للتدريس يخلق مشكلة أو عائقًا لغويًا سيكون من الضروري إيجاد حلول قابلة للتطبيق في الصفوف. أما في حال أدى استخدام اللغة الإنكليزية في التدريس إلى تعزيز التعليم وتحسُّنِه عمومًا فينبغي عندها أيضًا تحديد الظروف والأسباب التي ساهمت في النجاح ومشاركتها مع القطاعات التعليمية الأُخرى (3).

المصادر:

1. Dearden J. English as a medium of instruction – a growing global phenomenon. British Council; 2014 [cited 2023, 07] p. 1–40.  Available from: هنا
2. Yıldız M, Soruç A, Griffiths C. Challenges and needs of students in the EMI (English as a medium of instruction) classroom. Konińskie Studia Językowe [Internet]. 2017 [cited 2023, 07];5(4):387–402. Available from: هنا
3. March D. English as medium of instruction in the new global linguistic order: Global characteristics, local consequences. In: Proceedings of the second annual conference for middle east teachers of science, mathematics and computing. METSMaC; 2006. p. 29–38. Available from: 
هنا
4. Hultgren AK, Owen N, Shrestha P, Kuteeva M, Mežek Š. Assessment and English as a medium of instruction Challenges and opportunities. Journal of English-Medium Instruction. 2022[cited 2023, 07];1(1):105–23. Available from:  هنا