الاقتصاد والعلوم الإدارية > الاقتصاد السوري

الاقتصاد السوري في حالة تدهور؛ والتداعيات كارثية على الأمن الغذائي

تسبب الحروب والنزاعات المسلحة والظواهر المناخية  والأحداث الاقتصادية الأخيرة اضطرابات في الاقتصاد العالمي وتؤثر في نواحٍ عديدة، خصوصاً الأمن الغذائي، فبحسب التقرير العالمي عن أزمات الغذاء الذي تصدره الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي الحاد من 192.8 مليون شخص عام 2021 إلى 257.8 مليون شخص في عام 2022. وأدت الحرب الروسية الأوكرانية كذلك إلى تغيير السياسات العالمية المتعلقة بالتجارة الدولية وخاصة فيما يتعلق بتجارة الأغذية والحبوب، إذ بدأت الدول تفرض مزيداً من القيود على تجارة المواد الغذائية بهدف المحافظة على مواردها المحلية من الغذاء وخفض الأسعار، وأيضاً، فاعتباراً من 13 مارس 2023، فرضت 20 دولة 26 حظراً على تصدير المواد الغذائية، ونفذت 10 دول 14 إجراءً للحد من الصادرات، وهذا ما زاد الأزمة حدةً خصوصاً للدول التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية، إذ أظهرت البيانات بين شهري كانون الثاني ونيسان للعام 2023 ارتفاعاً في معدلات التضخم عموماً وتضخم أسعار المواد الغذائية خصوصاً في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل (1). 

أثرت الأحداث العالمية في الاقتصاد السوري المثقل بأزماته الخاصة، من معاناة مع الحرب مدة 12 عاماً وما خلفته من نزوح وتدمير في البنى التحتية، والزلازل المدمرة التي سببت خسائر كبيرة في الأرواح وأضراراً مادية، وانتشار مرض الكوليرا في أواخر عام 2022، إذ يعاني السوريون أزمةً اقتصادية خانقة، فبحسب الإحصائيات فإن 90% من السكان يعانون الفقر و50% يعانون انعداماً في الأمن الغذائي (2). 

فبعد 12 عاماً من الأزمة، أصبح السوريون أكثر هشاشة وأكثر قابلية للتأثر بالأزمات، وأتت الزلازل المدمرة في 6 و20 شباط عام 2023 لتزيد الأوضاع سوءاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وخاصة وضع الأمن الغذائي، إذ كانت الفئات الأكثر تضرراً بالكارثة الإنسانية هي الأكثر فقراً التي تعاني بالأساس صعوبات وتحديات قاسية لتأمين متطلبات الحياة. قُدّرت الخسائر الإجمالية الناتجة عن الزلازل بنحو 5.2 مليار دولار، وأدت إلى انخفاض الإنتاج في القطاعات الإنتاجية وخسائر في الإيرادات وارتفاع تكاليف التشغيل، وقد تكبد قطاع الزراعة أكبر الخسائر مع وجود عجز في الحصول على الغذاء يقدر بقرابة 1.3 مليار دولار، الأمر الذي فاقم أزمة الغذاء، ويتوقع أن يحدث انكماشٌ في الاقتصاد، وزيادة في التضخم سببها الأساسي انخفاض في السلع المتاحة وزيادة تكاليف النقل، وارتفاع الطلب الكلي على مواد إعادة الإعمار (3). 

إضافة إلى تأثير الزلزال الكارثي في الوضع الاقتصادي، صرح ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، أن ما يحدث في سوريّة هو كارثة إنسانية وإن لم يجرِ التحرك واتخاذ إجراءات مناسبة فإن الأمور ستتفاقم على نحو أسوأ مما يمكن أن نتخيله، إذ إن 12 مليون سوري لديهم صعوبات في تأمين غذائهم، و2,9 مليون شخص يعانون خطر الانزلاق إلى الجوع، ليصبح 70% من السوريين غير قادرين على تأمين الطعام قريباً، وتشير التوقعات إلى أن السوريين سوف يتجهون إلى هجرة جماعية كتلك التي حدثت في العام 2015 هرباً من الأزمات الخانقة التي يعانيها الاقتصاد. 

يرى برنامج الأغذية العالمي أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة يكمن في الاعتماد على الذات في إنتاج الغذاء، ومساعدة المزارعين الذين تضرروا من الحرب على الزراعة ليتمكنوا من إنتاج الغذاء بأنفسهم مرة أخرى. إذ عمل البرنامج التابع للأمم المتحدة على إصلاح قنوات الري المتضررة، لتروي حالياً ما يقارب 28 ألف هكتار، الأمر الذي يوفر طعاماً محليّاً لكثير من العائلات ويقوي الاقتصاد المحلي ويوفر فرصاً اقتصادية أكثر. 

يبدو هذا الحل هو الأكثر جدوى وهو مطلب عديدٍ من المزارعين، فبعد أن ارتفعت أسعار الأغذية اثني عشر ضعفاً في خلال الأعوام الثلاثة الماضية، عاد المزارعون إلى الزراعة مرة أخرى، وما زال كثيرون يناشدون للحصول على مزيد من المياه حتى يتمكنوا من الاستمرار في العمل الزراعي وإنتاج الغذاء المحلي بعد أن ازدادت الحاجة إليه، فهل سيكون الاعتماد على الزراعة المحلية هو الحل لمواجهة أزمات الغذاء؟ (4). 

المصادر:

1- Food security: Rising food insecurity in 2023 [Internet]. World Bank Group; 2023 [cited 2023 Jun 10]. Available from: هنا

2- Syrian crisis [Internet]. United Nations International Children's Emergency Fund; 2023 [cited 2023 Jun 10]. Available from: هنا

3- Earthquake undermines Syria’s economic outlook, compounding dire socio-economic conditions, and internal displacement [Internet]. World Bank Group; 2023 [cited 2023 Jun 12]. Available from: هنا

4- Syria: WFP chief calls for Action Now, as hunger soars to 12 Year High [Internet]. United Nations; 2023 [cited 2023 Jun 12]. Available from: هنا