الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الأخلاق وعلم الجمال

من أهم؛ البشر أم الحيوانات؟

إنَّ من أهم الإساءات التي يمكن أن تُوجَّه إلى شخص ما هي أنَّه تصرَّف "كالحيوان"، وغالبًا ما تُخصَّص هذه الإساءة أو الصفة لأكثر التصرفات البشرية الصادمة؛ كالاغتصاب والقتل، ومع ذلك، فالحيوانات الأخرى لا تبدر عنها مثل هذه الأفعال بالشناعة نفسها، فهي أفعال بشرية، وفي الحقيقة، فإنَّ عديدًا من ضحايا الجرائم البشرية حيوانات أخرى (1)؛ إذ يُقتَل قرابة 11 مليار حيوان سنويًّا في مزارع الحيوانات في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عدا عن صيد مئات الملايين (2).

هل البشر أكثر أهمية من الحيوانات؟

ربما تكون وجهة النظر الأكثر انتشارًا هي القائلة بأنَّ البشر أكثر أهمية من الحيوانات، ولربما يتَّفق الغالبية  على أنَّ لدينا بعض الالتزامات تجاه الحيوانات بصفتنا بشرًا، فعلى سبيل المثال؛ لا أحد يقبل بتعذيب الحيوانات من أجل المتعة، ولكنَّنا في الوقت نفسه نجري العمليات الجراحية والتجارب المؤلمة عليها وأحيانًا نقتلها لحماية المحاصيل الزراعية، وبعض الأشخاص يصطادها على أنَّ ذلك نوعٌ من الرياضة (3)، وقد يبرِّر بعض الأشخاص هذه التصرفات بأنَّه من "الطبيعة" البشرية أن نفضِّل أنفسنا بصفتنا بشرًا عن بقية الحيوانات، أو بأنَّ هذه الأفعال تصبُّ في صالحنا، ولكن هنا علينا الانتباه إلى عدم الخلط بين التفسير الطبيعي وبين التبرير، فعلى سبيل المثال؛ قد يوجد تفسيرٌ علمي لميل الرجال طبيعيًّا إلى ممارسة العنف تجاه النساء أو خيانة زوجاتهم، ولكن هذا التفسير لا يبرِّر هذه التصرفات، فلك أن تتخيَّل رجلًا يشرح للقاضي في المحكمة أنَّ سبب عنفه تجاه زوجته هو ميل الرجال إلى العنف طبيعيًّا، فعلى الرغم من أنَّ البشر يميلون إلى التصرف بما يحقق أكبر منفعة على حساب بقية الحيوانات على نحو طبيعي، ولكنَّ محاولة التفكير على نحو أخلاقي تُصعِّب مهمتنا في إيجاد تبريرات لهذه التصرفات (2).

وقد يقول بعض الأشخاص: "لكنَّ البشر يتفوَّقون على الحيوانات!"

على الرغم من تناول علم الاجتماع للتمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي (الجندر) أو العرق، فإنَّه غالبًا ما يُغفل التمييز على أساس النوع (Speciesism)، الذي يميِّز بين الأنواع البيولوجية وينظر إلى البشر على أنَّهم أهمُّ من الحيوانات نظرًا إلى امتلاكهم مميزات مثل الذكاء والقدرة على الرعاية؛ ما جعل رينيه ديكارت (René Descartes 1596-1650) يربط القدرة على التفكير والذكاء بوجود روح مقدسة مميزة عن الجسد.

ويرى عالم الاجتماع ديفيد دوركايم (David Émile Durkheim 1858-1917) أنَّ ثنائية الروح والجسد تسمح للمجتمعات بتشكيل وعي جمعي يفرض قيمًا مشتركة وأخلاقًا تلغي الأنانية والغرائز البدائية لصالح المجتمع المُتحضِّر.

ويسمح التمييز على أساس النوع بقمع حاجات نوع على حساب نوع آخر؛ ما دفع بعض الباحثين إلى مقارنته بالعنصرية الجنسية والعرقية والطبقية، ويقوم هذا القمع على 3 أساسات:

وهنا نسأل: هل يبرر ذلك لأية حضارة فضائية بالقضاء على البشرية لمجرد أنَّها أقوى وأكثر تطورًا؟

وجدير بالذكر أنَّ البعض يرى في اللغة الدارجة قمعًا للحيوانات على أساس تمييز البشر عنهم مع أنَّ البشر يندرجون في تصنيف الحيوانات أيضًا، أو من خلال استخدام مصطلحات مثل الصيد واللحم، في حين أنَّ الصيد هو قتل واللحم هو جثة حيوان ميت (1).

هل تفوُّقنا ينعكس على أخلاقنا؟

يرى ديكارت أنَّ تفوُّق البشر  بوعيهم على بقية الحيوانات يعطي قيمة أخلاقية للبشر وينزعها عن الحيوانات، في حين يرى غيره أنَّ للحيوانات قيمة أخلاقية أقل من البشر؛ ما يجعل استغلالها لمصلحة البشر في الأبحاث الطبية على سبيل المثال أمرًا مشروعًا.

أما بيتر سينغر (Peter Singer 1946) فيستخدم الأخلاق النفعية ليساوي القيمة الأخلاقية للحيوانات بالبشر، انطلاقًا من امتلاكها للرغبات والتصورات والذاكرة؛ ما يجعلها موضوعات للحياة تستحق حقوقًا تمنع التعدِّي عليها ومعاملتها بظلم، ويعكس جيريمي بينثام (Jeremy Bentham 1748-1832) السؤال بقوله: "لا يكمن السؤال في قدرتها على التفكير والكلام، وإنَّما بإحساسها بالمعاناة"؛ ما يجعل الحيوانات متساوية مع البشر في إحساسها بالألم ورغبتها بتجنبه (1).

وأخيرًا، نطرح عليكم السؤال الآتي: هل تسمحون بتعرُّض حيوانكم الأليف لضرر؟! إذًا لماذا تميزونه عن غيره من الحيوانات؟

المصادر:

1. Peggs K. Animals and sociology. London: Palgrave Macmillan; 2012. Available from: هنا

2. Bernstein M. The moral equality of humans and animals. London: Palgrave Macmillan; 2015. Available from: هنا

3. Korsgaard CM. Fellow creatures: Our obligations to the other animals. Oxford University Press; 2018. Available from: هنا