الاقتصاد والعلوم الإدارية > العلوم الإدارية

مفهوم الجودة

على الرغم من أن معظمنا يستخدم مصطلح "الجودة" بإفراطٍ في الحياة اليومية بطريقة نعتقد أنها منطقية وواضحة للجميع، إلا أنها تعد مفهوماً في غاية الصعوبة ومحط خلاف كبير وتحاط  بكثير من المغالطات (1).

يقول بيتر داركر (Peter Drucker) أحد مؤسسي علم الإدارة الحديثة "ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته وتحسينه" (2)؛ فعلى الرغم من أن الطلب على الجودة كان جزءاً من الطبيعة البشرية لفترة طويلة، إلا أن وضع معايير رسمية خاصة بالجودة وكيفية قياسها هي بالتأكيد من ظواهر القرن العشرين، إذ أدى التركيز الملحوظ في جودة المنتجات خلال العقدين الماضيين من الزمن إلى خلق سوق عالمية للمستهلكين الذين يطلبون منتجات ذات جودة عالية (1).

يطلق مصطلح الجودة في اللغة العربية على التعبير الشائع في ترجمة مصطلح "Quality" من اللغة الإنكليزية، ولم يُتوصَّل حتى الآن إلى تعريف واضح للجودة نتيجة ارتباطها بعديد من المجالات، فهي تعني أشياء مختلفة باختلاف تقدير الأشخاص واختلاف أولوياتهم وأهدافهم (3).

نشرت الجمعية الأمريكية للجودة (American Society for Quality) تعريفها الخاص بالجودة: على أنها مجموعة المميزات الواجب توافرها في المنتج والتي تؤثر في قدرته على تلبية الاحتياجات المعلنة أو الضمنية وتحقيق رغبات الزبون على نحوٍ صحيح يخلو من العيوب ومن أول مرة (3).

في حين قدمت المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (ISO) التعريف بالجودة: بأنها الدرجة التي تفي بها مجموعة الخصائص المتأصلة في المنتج بالمتطلبات (4).

ولعل التعريف الأقصر للجودة هو "الملاءمة للاستخدام" (5).

يمكننا التوصل إلى أن نعدّ أنه عندما يلبي منتج ما توقعات الزبون تجاهه فإنه يشعر بالرضا ويصف هذا المنتج بالجيد، أما إذا تجاوز المنتج ما يتوقعه فيصفه بأنه ذو جودة عالية، والعكس صحيح فإذا كانت مواصفات المنتج (سلعة أو خدمة) أقل من توقعات الزبون فسيكون غير راضٍ ويصف جودة هذا المنتج بأنها متدنية.

إن وضع المؤسسات برنامجاً دقيقاً لضبط الجودة وتطبيقه بصرامة يحقق لها مكاسب كبيرة مع التركيز على إنتاج ما يحقق رغبات الزبون المتغيرة دائماً، وذلك عن طريق العمل الدائم على تحسين خصائص المنتجات وتخفيض التكلفة بتجنب الهدر الناتج عن سوء التصميم والتنفيذ.

وأن يكون برنامج ضبط الجودة متكاملاً يبدأ من لحظة استلام المواد الأولية ويستمر حتى الوصول إلى المنتج النهائي وقد يستمر بتعقب المنتج حتى بعد خروجه من المنشأة وطول فترة استخدامه من قبل الزبون وخدمات ما بعد البيع (6).

تطور مفهوم الجودة:

يمكن أن تعود جذور حركة الجودة في أوروبا إلى القرن الثالث عشر الميلادي، إذ بدأ الحرفيون التنظيم ضمن نقابات مهنية، التي بدورها تصدر قواعد صارمة لجودة كل منتج مع تعيين لجان لتفتيش تطبيق تلك القواعد بوضع علامة على المنتجات الخالية من العيوب وعلامة خاصة بالحرفي بهدف تتبع أصل المنتجات المعيبة في حال ظهورها، لكن مع مرور الوقت أصبحت العلامة تمثل السمعة الطيبة للحرفي ودليلاً على جودة ما يقدمه من منتجات.

في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ومع انطلاق الثورة الصناعية، تحول الحرفيون إلى عمال في المصانع وأصبح أصحاب المحلات مشرفين على الإنتاج وباتت الجودة في نظام المصنع مرهونة بمهارات العمال التي تكملها عمليات التفتيش والتدقيق وإعادة تصنيع القطع المعيبة أو إلغائها وظهرت أقسام لمراقبة الجودة على نحو منفصل ضمن المصنع.

بعد دخول الحرب العالمية الثانية، أصبحت الجودة عنصراً حاسماً في المجهود الحربي وقضية أمان مهمة. فمن الواضح أن المعدات العسكرية الغير الآمنة كانت غير مقبولة، وفحصت القوات المسلحة الأمريكية كل وحدة أُنتِجت تقريباً مما تطلب قوات فحص ضخمة، ولتخفيف المشكلات من دون المساس بسلامة المنتج، ظهر مفهوم فحص العينات بدلاً من الفحص الشامل.

تميز القرن العشرون بإدراج التركيز على ضبط العمليات بدلاً من المنتجات وذلك باستخدام تقنيات إحصائية لمعرفة ما إذا كانت تلك العمليات مستقرة ومسيطراً عليها، أو أنها تتأثر بأسباب خاصة يجب إصلاحها (7).

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ركز المصنعون اليابانيون على تحسين جميع العمليات التنظيمية عن طريق استقدام الخبراء الأجانب والاستفادة من التجارب العالمية. ونتيجة لذلك، تمكنت اليابان من إنتاج صادرات عالية الجودة بأسعار منخفضة غزت العالم أجمع.

مع بداية القرن الحادي والعشرين، نضجت حركة الجودة و تطورت أنظمتها الجديدة وأُطلقت حزمة واسعة من المعايير الرسمية ذات الصلة بالجودة، وأُحدثت وكالات وهيئات للمواصفات والمقاييس عالمية ومحلية، ووضعت بعض الدول جوائز وطنية للتميز المؤسساتي على مستوى الجودة، وتجاوزت الجودة قطاع التصنيع إلى مجالات مثل الخدمة والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الحكومية والمؤسسات الغير الهادفة للربح والمشاريع الصغيرة (8).

الخلاصة:

لقد تطورت مفاهيم الجودة كثيراً مع التطور الصناعي والتقدم العلمي، وأسهمت في تحسين أداء المؤسسات المختلفة. وكان لليابان السبق في تطبيق مفاهيم الجودة الحديثة، التي انعكست على نحو مهم على التقدم الكبير الذي أحدثته في مختلف المجالات. فكان التركيز على الجودة أحد مفاتيح النهوض بالدول وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وإن الجودة رحلة طويلة تحتاج التحسين المستمر ومواكبة التطور السريع مما يعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع.

المصادر:

1. Hoyer  RW, Hoyer  BY. What is quality? [Internet]. Quality Progress. 2001 [cited 2023Apr2];34(7):53-62. Available from: هنا

2. Mazri C. “You Don’t Manage What You Don’t Measure” … But Do You Really Manage What You Measure?. Chemical Engineering Transactions [Internet];2021 [cited 29Apr.2023];86:361-366. Available from: هنا

3. Quality glossary of terms, acronyms & definitions with letter Q [Internet]. American Society for Quality. [cited 2023Apr2]. Available from: هنا

4. ISO 9000:2015 - Quality management systems — Fundamentals and vocabulary [Internet]. ISO. 2015 [cited 2023Apr2]. Available from: هنا

5. ISO/TS 16949:2009 - Quality management systems — Particular requirements for the application of ISO 9001:2008 for automotive production and relevant service part organizations [Internet]. ISO. 2009 [cited 2023Apr2]. Available from: هنا

6. Hoyle D. Automotive Quality Systems Handbook.  Butterworth-Heinemann:Elsevier; 2000. Available from:

هنا

7. Duffy GL. The ASQ Quality Improvement Pocket Guide: Basic history, concepts, tools, and relationships. US: American Society for Quality; 2013. pp.160. Available from:

هنا

8. The history of Quality [Internet]. American Society for Quality. [cited 2023Apr1]. Available from: هنا