الطب > مقالات طبية

بيوض طفيليّة هي الدليل الأقدم على انتشار البلهارسيا في الشرق الأوسط منذ 6200 سنة

بحث جديد يُظهر أنّ داء البلهارسيات، الذي تسبّبه طفيليات تنتمي إلى الديدان المسطّحة flatworms، قد انتشر على ما يبدو عن طريق أنظمة ري المزروعات التي ابتكرها الإنسان قديماً في بلاد ما بين النهرين، مما يقترح أنّ التكنولوجيا الزراعية آنذاك عملت على تفاقم المرض بين سكان تلك المنطقة قبل ما يقارب 1000 عام من انتشاره وظهوره في مصر القديمة.

ربّما كان اكتشاف بيضة طفيلي البلهارسيا في بلدة سورية أثرية تقع بمحاذاة نهر الفرات، في قبر يعود تاريخه إلى 6200 سنة، ربما كان الدليل الأول على أن أنظمة الري الزراعية التي استُخدمت في الشرق الأوسط في ذلك الوقت قد ساهمت في انتشار داء البلهارسيا وامتداده إلى المناطق المجاورة، بحسب البحث الجديد الذي نشرته دورية لانسيت Lancet للأمراض المُعدية.

البلهارسيات Schistosomes هي مجموعة من الديدان المسطّحة التي تسبّب أعراضاً مرضية شديدة في البلاد الحارة، مثل فقر الدم والفشل الكلوي وسرطان المثانة. وتعود أقدم النماذج المكتشفة من هذه الطفيليات إلى المومياءات المصرية القديمة منذ حوالي 5200 سنة. ويبيّن التحليل الوراثي الحديث بأن الطفيلي وجد بالأصل في آسيا ومن ثم انتشر منها إلى أفريقيا. ولكن متى وأين بدأ أسلافنا يصابون بالبلهارسيا؟

للإجابة على هذا السؤال قام علماء الآثار بالتنقيب في منطقة تل زيدان- وهي منطقة معروفة بتاريخها الزراعي العريق منذ ما يزيد على 7500 عام، وتقع في وادي نهر الفرات شمال سوريا. وكما نعلم فإن أكثر الطرق التي يتم بها التقاط طفيلي البلهارسيا هي أثناء عبور الأنهار والخوض في المياه، وغالباً ما يكون المزارعون هم الأكثر عرضة لذلك بحكم طبيعة عملهم. قام الباحثون بجمع بقايا ورُفات الأجساد من مناطق تتوافق مع مواقع الأمعاء والمثانة في 26 قبراً تعود إلى الفترة الزمنية قبل 6000- 6500 سنة من الآن. ثم جمعوا عينات شاهدة للمقارنة (control) من منطقتي الرأس والقدمين لكل من هؤلاء الأشخاص (حيث لا يتوقع وجود الطفيليات التي تستوطن منطقة البطن في تلك الأماكن من الجسم).

وبعد عمليات تفتيت وغربلة دقيقة للعينات، قاموا بفحصها بالمجهر الضوئي.

تبيّن بنتيجة الفحص أن العينات المأخوذة من المنطقة البطنية للرفات تحتوي على بيوض طفيلية ذات نهاية منحنية تقابلها نهاية مستدقّة كالشوكة في الطرف الآخر، يحيط بها جدار مفرد وتأخذ اللون البني الشاحب، وهو ما يتطابق مع نوعين من طفيليات البلهارسيا؛ أحدهما هو البلهارسيا الدمويةSchistosoma haematobium الذي يصيب المثانة، والآخر هو البلهارسيا المُقحَمة Schistosoma intercalatum الذي يصيب الأمعاء. وكانت العينات الشاهدة من الرأس والقدمين خالية من أية بيوض طفيلية، مما يعني أنّ البيوض التي اكتشفت ناتجة عن إصابة أولئك الأشخاص بالطفيلي، ولم تنتج عن تلوّث التربة أو الرسوبيات في تلك المنطقة ببيوض طفيلية.

جدير بالذكر أنّ طفيليات البلهارسيا تنتقل للإنسان عند عبوره المياه العذبة الملوّثة به، حيث تغادر الأشكال الانتقالية للطفيلي قواقع المحار الملتوي Bulinus spp، لتخترق جلد الإنسان، وتتطور في جسمه بعد ذلك إلى ديدان بالغة، تستقرّ في الأوعية الدموية للمثانة والكليتين (نوع البلهارسيا الدموية S. haematobium) أو الأمعاء (في حال الإصابة بنوع البلهارسيا المُقحَمة S. intercalatum)، ومن ثمّ تتزاوج الديدان وتطرح بيوضها إما عبر البول أو البراز (بحسب النوع الذي تمت الإصابة به).

كذلك عُثِر في مناطق الشرق الأوسط على قواقع الحلزون الملتوي bulinus بعد القيام بالتنقيبات الأثرية، وورد في الكتب الطبية الآشورية القديمة (التي تعود إلى شمال العراق) وصفٌ لأمراض تُنتج بيلة دموية لدى المصابين بها.

المصادر:

هنا

هنا