الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

الانقراض الكبير في أواخر العصر الرباعي، ما السبب؟

في أواخر العصر الرباعي* حصل انقراض هائل للأنواع الحيوانية، اعتــُـبر تغير المناخ وتطور الإنسان الحديث العاملان الأساسيان في حدوثه، ولو أن أهمية كل منهما المطلقة والنسبية كانت لا تزال موضع جدل. وكثيرا ما تمت مناقشة التسلسل الزمني لانقراض مجموعات فردية وصغيرة من الأحياء، إلا أن الدراسات واسعة النطاق التي تراعي الدقة التصنيفية للأنواع المنقرضة لم تولى اهتماماً كافياً رغم أهميتها في الاختبار الدقيق للفرضيات الموضوعة لتبرير الانقراض.

تستند الدراسة التالية إلى بيانات شاملة تتعلق بالتوزع الجغرافي لجميع أنواع الثدييات الكبيرة (بوزن أكبر أو يساوي 10 كغ) والتي انقرضت بين بداية العصر الجليدي الأخير 130 ألف سنة قبل الميلاد وأواخر الهولوسين Holocene **. تبين نتائج الدراسة أن شدة الانقراض ارتبطت ارتباطاً كبيراً بأشباه البشر hominin في عصور ما قبل التاريخ مع ارتباط أضعف بالتغيرات المناخية.

عانت عدة مناطق حول العالم خلال تلك الفترة من خسائر غير مسبوقة في تعداد الأنواع الحيوانية الضخمة، وعلى الرغم من أن الانقراض السريع شائع في أحافير العصر الرباعي إلا أن الخسارة الكبيرة في الأنواع دون بدائل وظيفية يعتبر غير طبيعي. اقترحت الفرضيات تفسيرات عديدة بما في ذلك تغير المناخ وانتشار الإنسان الحديث (العاقل) والآثار المترتبة على ذلك من صيد وتغير سكن بالإضافة إلى التأثيرات الفضائية الخارجية وفرط انتشار الأمراض. من بين ذلك يرجح أن يكون التأثير البشري والتغير المناخي السبب وراء التغيرات الحاصلة على المدى الطويل.

عادةً ما يتم تقديم الانهيار القاري في أواخر العصر الجليدي كسبب لانقراض الحيوانات الكبيرة، ويشار إلى أن الإنسان كان المسبب في قارات أمريكا الشمالية وأستراليا بينما كان المناخ هو المسبب في أوروبا. في حين لا توجد تقييمات كافية للأسباب في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. إن تزايد إمكانية الوصول للأحافير مكننا جغرافياً من التحديد الدقيق والتصنيفي للانقراض ولتسمية الأنواع المنقرضة.

لنناقش السببين الرئيسين المحتملين للانقراض كل على حدى:

1- فرضية تغير المناخ:

خصوصاً درجات الحرارة والهطول وتناقضاتها خلال وحتى نهاية العصر الجليدي، وهذه تمثل أقوى التحولات المناخية خلال أواخر العصر الرباعي.

تسافر الأنواع حيث يحصل تغير مناخي شديد لمسافات أكبر خصوصاً إذا كانت طبوغرافية الأرض مسطحة وبالتالي تتعرض أكثر لخطر الانقراض، وكنتيجة ارتبط التغير المناخي الكبير أواخر العصر الرباعي مع انخفاض في توطّن الأنواع الحديثة من ثدييات وطيور وبرمائيات. لكن إذا اعتبرنا المناخ عاملاً مهماً في الانقراض فيجب أن يكون تغيره من حيث الحجم والسرعة متناسباً طرداً مع كم الأنواع المتراكم في أواخر العصر الرباعي وهذا ما لم يلاحظ في بعض القارات كما سنرى.

2- فرضية المسبب البشري:

يدّعي مؤيدو النظرية البشرية أن هجرة الإنسان القديم من إفريقيا في موجات متزايدة شغلت المناطق التي اعتادت الثدييات الكبيرة أن تقطنها. يتضمن ذلك توسع الإنسان المنتصب Homo erectus وأشباه الإنسان المعاصرة في وقت مبكر من العصر الجليدي في جنوب آسيا وجنوب وغرب أوروبا بالإضافة إلى غزو إنسان نياندرتال Neanderthal هذه الحدود أيضاً واستعماره معظم أوراسيا*** إذ بقيت فقط بعض الأطراف الشمالية غير مأهولة. إذاً واجهت الكائنات الحيوانية الضخمة أنواع أشباه الإنسان القديمة في المناطق الجنوبية وخلال توغلهم شمالاً (بشكل أقل) وعلى النقيض من ذلك لم يحصل أي اتصال في استراليا وأمريكا الشمالية والجنوبية واليابان حتى توسع البشر المعاصرين (الإنسان العاقل) لاحقاً.

عانت فترة أواخر العصر الرباعي –وفقاً لهذه الفرضية– من أقصى انقراض بعد وصول أشباه البشر حيث لعبت عملية الافتراس الجديدة والفعالة دورها في مناطق الحيوانات الضخمة بفعل الصيد، وعلى النقيض، كان الانقراض أقل حدة في أفريقيا بسبب التطور المشترك التدريجي وطويل الأمد لأشباه الإنسان مع الحيوانات الكبيرة. بينما كانت الأمراض التي فتكت بالإنسان في المناطق التي احتلها الإنسان قبل الحيوان العامل المسبب لانخفاض حدة الانقراض فيها.

لنناقش الفرضيتين؛ في الواقع يعتبر تغير المناخ السبب في الانقراض في 31 بلداً على الرغم من ضعف القوة التفسيرية العائدة للشذوذات السريعة في الأمطار والحرارة. لكن الأسباب البشرية تعتبر أيضاً مسبباً إن لم يكن مستقلاً فبتقاطعه مع تغيرات المناخ.

حصل الانقراض متوسط الحدة في المناطق المختلطة القديمة بينما حصل الانقراض الشديد في مناطق تواجد الإنسان العاقل. في أفريقيا كانت نسبة الانقراض هي الأقل بسبب التعايش بين أشباه البشر والكائنات الضخمة على عكس ما حدث في أستراليا والأمريكيتين. كان أيضاً لبعض الأنواع المستوطنة في اليابان خصوصيتها لعدم اتصالها مع أنواع البشر القديمة.

توجد دلائل على 177 نوعاً انقرض عالمياً من الثدييات الكبيرة، 62 منها في أمريكا الجنوبية في فترة الدراسة المشار إليها أغلبها في الأوروغواي، في حين حصل أعلى انقراض في أمريكا الشمالية في تكساس. لكن كانت تغيرات المناخ متشابهة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية حتى أن المناخ كان أكثر استقراراً في أمريكا الجنوبية لكن مع اختلاف كبير في معدل الانقراض كما بيـّـنا وهذا ما يعزز فرضية ان يكون وصول البشر هو السبب.

أظهرت الثدييات الكبيرة قدرة على التأقلم في أمريكا الجنوبية أثناء فقدان السافانا بسبب ارتفاع الرطوبة حيث غيرت الحيوانات نظامها الغذائي للمختلط، مع ذلك استمرت أعدادها بالتناقص وهذا ما ارتبط بالاستغلال البشري. مع أن أستراليا تعرضت لجفاف شديد قبل وصول الإنسان الحديث والذي قد يكون سبب الانقراض هناك لكن يدعي البعض أن البشر الذين استخدموا النار وسببوا الحرائق والصيد هم من سبب الانقراض.

تقدم هذه الدراسة أول تحليل واسع النطاق جغرافياً للدلائل التي تعتبر الإنسان الحديث المحرك الرئيسي لخسائر الكائنات الحيوانية الضخمة في جميع أنحاء العالم خلال أواخر العصر الرباعي.

* العصر الرباعي (Quaternary): أحدث العصور الثلاث لحقبة الحياة الحديثة في مقياس الزمن الجيولوجي. وهو يلي عصر الثلاثي العلوي ويمتد من 2.588 مليون سنة مضت إلى الآن. ويضم فترتين جيولوجيتين هما : البليستوسين والهولوسين.

** هولوسين: عصر الهولوسين أو العصر الحديث يمثّل الفترة الأخيرة من الزمن الجيولوجي، الذي يغطي 10000 سنة الأخيرة تقريباً من التاريخ الجيولوجي.

*** أوراسيا: أوروبا-آسيا هي كتلة أرضية مساحتها 54،000،000 كم² وهي مكونة من قارتي أوروبا وآسيا. تشكلت قبل حوالي 350 مليون سنة بعد اندماج القارات.

المصدر:

هنا

رسم توضيحي للعصور الجيولوجية:

هنا