الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

اللاضية (Luddism)، عندما تسرق الآلة وظيفتك!

انطلقت اللاضية (Luddism) بدايات القرن الثامن عشر بوصفها حركة مناهضة لدخول الآلة في صناعة المنسوجات في بريطانيا، بعد أن تسبب هذا التحوُّل في بطالة العمال من الرجال لكون الآلات بديلًا أكثر سرعة ودقة وقابلية للإدارة والتشغيل من النساء والأطفال ذوي الأجور القليلة مقارنة بأجور الرجال (1)، واشتُقَّت تسمية هذه الحركة من اسم زعيمها نيد لود (Ned Ludd) الذي دافع بضراوة عن أسلوب حياة العمال الثائرين في مواجهة المكننة (2).

وكما بدأت حركة اللاضية في بداية الثورة الصناعية؛ عادت اليوم وظهرت مجددًا مع انطلاقة الثورة التكنولوجية، على أنَّ ظاهرة التطور التكنولوجي تتسبَّب بإعادة هيكلة جذرية لعلاقات الإنتاج ليأتي دور هذه الحركات في مقاومة ما تؤدي إليه الآلة من تراكم الثروة ومصادر المعرفة بيد فئة قليلة (3)، مع فارق أنَّ اللاضية في مواجهة المكننة كانت حركة سرية مباشرة تستهدف تحطيم الآلات، بينما تبدو اللاضية في مواجهة التكنولوجيا اليوم حركةً علنية فكرية ناقدة بالدرجة الأولى (4).

ويبدو أنَّ أنصار اللاضية (Luddites) يقفون الآن في الصف ذاته مع القراصنة والمخترقين مثل حركة (Anonymous)؛ إذ تبدو هجمات الحركتين انتقائية في استهداف نوع معين من الآلات والتقنية؛ تلك التي تقلل من الحاجة لليد العاملة بغية التأثير في أصحاب العمل عن طريق تقليل الإنتاجية واستهداف رأس المال لديهم (3)، فإن كانت اللاضية تستهدف تحطيم الآلات الحديثة وتعطيلها سابقًا، فالقرصنة اليوم تتمثَّل في إتقان مهارات تكنولوجيا المعلومات واحترافها؛ لمهاجمة المواقع الالكترونية والبنية التحتية للاتصالات في الشركات (4)، وتمكين المستخدمين العاديين من تجاوز عوامل التصفية الحكومية، ومهاجمة أجهزة الأمن المعلوماتي ومضايقة مستخدمي الإنترنت (3)، وغير ذلك من منتجات ثورة التكنولوجيا المغرية للطبقة النافذة من روَّاد الأعمال في صناعة الحواسيب والرقائق الإلكترونية والسياسيين والعسكريين والإعلاميين (4)، وأكثر من ذلك عندما شبَّه محامو مايكروسوفت دعاوى مكافحة الاحتكار ضد الشركة بعودة اللاضية من جديد (1).

واليوم يقف العالم في إثر هذه الحركة موقفًا مُتباينًا تجاه التكنولوجيا، فما بين التحذير من التوقُّعات المبالغ بها إزاء التقدم التكنولوجي وضرورة التخفيف منها، وبين الحماس التكنولوجي الذي يسعى إلى الوصول إلى أدوات وتقنيات تخدم الإنسانية، ومثله التفاؤل التكنولوجي الذي يرى التكنولوجيا حلًّا  لمشكلات في نوع من الإصلاح التكنولوجي جميعها، إلى التشاؤم والتشكيك في قدرة التكنولوجيا على تقديم الحلول في ظل قضايا تغيرات المناخ وتراجع مصادر الطاقة غير المُتجدِّدة والزيادة السكانية وعدم المساواة في العالم (2)، فإنَّ حركة اللاضية وإن كانت قد فشلت في مساعيها أول مرة، ولكنَّها أثبتت ضرورتها الوظيفية في المجتمع والحاجة لها بوصفها موقفًا فكريًّا ناقدًا لإعادة النظر في قضايا التكنولوجيا وعدم الإذعان لمنتجاتها كلها كما هي، وإنَّ استمرار ظهور تسمية هذه الحركة في الصحف والإعلام ليس إلا دليلًا على استمرار المخاوف وعدم الارتياح للهيمنة التكنولوجية على مفاصل حياتنا، وما بين من يرى أنَّ الحاسوب الشخصي اليوم قد حرَّر الإنسان ومكَّنه من تحقيق أحلامه، كما فعل اللاضيون الذين استمروا في غَزْل منسوجاتهم في منازلهم الريفية، وبين من يعتقد بضرورة الإطاحة ليس بالتكنولوجيا فحسب؛ بل بعملية التصنيع الحالية ككل في شكلها الغربي والرأسمالي (1)، تستمر اللاضية في إعادة طَرْح نفسها على أنَّها احتجاج على تعظيم التكنولوجيا فوق الغايات والقيم الإنسانية (4).

المصادر:

1. KLEIN L. Luddism for the twenty-first century. International Journal of Human-Computer Studies [Internet]. 2001 [cited 7 May 2022];55(4):727-737. Available from:  هنا

2. Garcia J, Jerónimo H, Carvalho T. Methodological Luddism: A concept for tying degrowth to the assessment and regulation of technologies. Journal of Cleaner Production [Internet]. 2018 [cited 7 May 2022];197(Part 2):1647-1653. Available from: هنا

3. Deseriis M. Is Anonymous a New Form of Luddism?: A Comparative Analysis of Industrial Machine Breaking, Computer Hacking, and Related Rhetorical Strategies. Radical History Review [Internet]. 2013 [cited 7 May 2022];2013(117):33-48. Available from: هنا

4. Lyon D. New technology and the limits of Luddism. Science as Culture [Internet]. 1989 [cited 7 May 2022];1(7):122-134. Available from:  هنا

مصدر مقدمة الفيسبوك:
Abuselidze, G., & Mamaladze, L. The impact of artificial intelligence on employment before and during pandemic: A comparative analysis. Journal of Physics: Conference Series, (2021). 1840(1), 012040. هنا;