الطب > مقالات طبية

معًا لمحاربة الشّيخوخة

بين عاميّ 2015 و 2050؛ ستتضاعف نسبة سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا تقريبًا من 12٪ إلى 22٪، وأبضًا من المتوقّع أن يزداد عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا أو أكثر ثلاث أضعاف بين عامي 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون شخص. 

تواجه جميع البُلدان تحدّيات كبيرة لضمان استعداد أنظمتها الصحيّة والاجتماعيّة لتحقيق استفادة قصوى من هذا التغير السكانيّ. ورغم أنَّ هذا التَحول في توزّع السّكان بدأ في البلدان المرتفعة الدَّخل (مثل اليابان)، ولكن البلدان المنخفضة والمتوسطّة الدَّخل هي التي تشهد الآن القدرَ الأكبرَ من التّغيير (1). 

إذًا ما هي الشّيخوخة؟

تحدث الشيخوخة نتيجة تدهور وظيفي تدريجي مع مرور الوقت عبر أنظمة الجسم المختلفة مما يؤدي إلى اختلال وظيفي في الأنسجة وانخفاض تدريجي في القدرات البدنية والعقلية، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض و في نهاية المطاف الموت (1,2). 

ويقول علماء الأحياء أنَّ الشّيخوخة يَصعُب دراستها بسبب تعقيدها، ولكن تشير الأدلّة الجديدة إلى أنَّ الانخفاض التّدريجي في عدد الخلايا الجذعيّة ووظيفتها قد يُساهم على نحوٍ كبير في الظّروف المتعلّقة بالشّيخوخة، ولكن سبب ذلك لايزال غير معروف. 

ويدرس العلماء في معهد هارفارد للخلايا الجذعية (HSCI) عمليّة الشّيخوخة في أعضاء الجسم المختلفة من أجل فهم كيفيّة تقدّمنا في العمر وتطوير التدخّلات العلاجيّة على نحوٍ أفضل(3). 

سنتحدث الآن عن التغيرات التي تُحدثها الشيخوخة في أعضاء الجسم المختلفة، وما يمكننا فعله لتعزيز صحتنا:

القلب والأوعية الدموية

إن التّغيير الأكثر حدوثًا في الجهاز القلبي الوعائي هو تصلّب الأوعية الدّموية والشّرايين، ممّا يجعل القلب يعمل بجهد أكبر لضخّ الدّم عبرها إلى باقي أعضاء الجسم، هذا بدوره يسبّب تغيّرات في عضلة القلب بهدف التّكيّف مع هذا العبء المتزايد.

ويزداد معدّل ضربات القلب أثناء القيام بالأنشطة لكن ليس بنفس القدر المعتاد، وأيضًا ترتفع نسبة حدوث ارتفاع ضغط الدّم ومشاكل القلب والأوعية الدّموية الأخرى.

يمكن للنّشاط البدني المعتدل والمنتظم أن يساعد في الحفاظ على وزن صحي وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب،  ويساعد أيضًا اتّباع نظام غذائي صحّي غني بالخضراوات والفواكه والحبوب والألياف ومصادر البروتين الخالية من الدّهون مثل الأسماك بالإضافة إلى التقليل من الأطعمة الحاوية على الدّهون المشبعة والملح، ولا ننسى أيضًا الإقلاع عن التدخين، والحدّ من التوتر بممارسة التّأمل أو التّمارين الرياضية وأخيرًا الحصول على قسط كافٍ من النّوم (حوالي 7-9 ساعات في اليوم).

العظام والمفاصل والعضلات الهيكليّة

تميل العظام مع تقدم العمر إلى الانكماش في الحجم والكثافة مما يجعلها أضعف وأكثر عرضة للكسر وقد يصبح الشخص أقصر قليلاً وإجمالًا تفقد العضلات القوة والتحمل والمرونة. 

فمن المهم الحصول على كميات كافية من الكالسيوم لتعزيز صحة العظام والعضلات، ومن المصادر الغنية بالكالسيوم: منتجات الألبان والبروكلي واللّفت والسّلمون، والحصول على كمّيات كافية من فيتامين (د) هو مهم أيضًا  سواء من أشعة الشمس أو الأطعمة مثل التونة والسّلمون والبيض والحليب أو مكمّلات فيتامين (د).

ويمكن للحركة المنتظمة أن تجعل العظام أكثر قوة لذلك من المهم إدخال النّشاط البدني ضمن الروتين اليومي مثل المشي والرّكض والتّنس.

الجهاز الهضمي

يمكن أن تؤدّي التّغيرات المرتبطة بالعمر في الأمعاء الغليظة إلى حدوث الإمساك لدى كبار السن، والذي يتفاقم أيضًا عند اتّباع نظام غذائي قليل الألياف وعدم ممارسة الرّياضة وعدم شرب السّوائل بكميات كافية، وقد تساهم أيضًا بعض الأدوية (مثل مدرّات البول ومكمّلات الحديد) وبعض الأمراض (مثل السّكري) في حدوث الإمساك.

وللوقاية من الإمساك يجب اتّباع نظام غذائي صحّي غني بالخضراوات والفواكه والحبوب والألياف بالإضافة إلى التقليل من الأطعمة التي قد تسبب الإمساك مثل الدّهون ومنتجات الألبان والحلويات، ولا تنسى الإكثار من الماء والسّوائل.

ويمكن للنّشاط البدني المنتظم أن يساعد في الوقاية من الإمساك، 

ومن المهم  أيضًا عدم تجاهل الرّغبة في التّبرّز، فالامتناع عن التّبرّز لفترة طويلة يمكن أن يسبّب الإمساك.

الجهاز البولي

مع التقدم في العمر؛ تصبح المثانة أقل مرونة وعضلات المثانة والحوض أكثر ضعفًا مما يسبّب حاجة مستمرّة للتّبول وصعوبة في إفراغ المثانة على نحوٍ كامل، وقد يحدث فقدان للسّيطرة على المثانة (ما يعرف بسلس البول). 

ويمكن لمشاكل صحيّة مرافقة أن تفاقم الحالة مثل ضخامة البروستات و الوزن الزائد واعتلال الأعصاب والسّكري وبعض الأدوية بالإضافة إلى الإكثار من الكافيين والكحول.

ولمواجهة ذلك يجب اتباع ما يأتي: الذّهاب إلى المرحاض بانتظام (وفق جدول زمني منتظم)، الحفاظ على وزن صحّي، الامتناع عن التّدخين.

 وأيضًا يمكن ممارسة تمارين كيجل (الضغط على العضلات كما لو كنت تحاول إيقاف إطلاق الغازات) لمدة ثلاث ثوان ثم استرخاء لمدة ثلاثة ثوان وذلك ل 10-15 مرة متتالية، و لثلاث مرّات على الأقل يوميًا.

وينبغي أيضًا تجنّب مهيّجات المثانة مثل الكافيين والأطعمة الحمضية والكحول والمشروبات الغازية.

الذّاكرة ومهارات التّفكير

يخضع الدّماغ لتغيّرات مع التّقدم بالعمر ويكون لها آثار طفيفة على الذّاكرة ومهارات التّفكير؛ فقد ينسى كبار السن الأسماء أو الكلمات المألوفة، أو قد يجدون صعوبة أكبر في القيام بمهام متعددة.

تُشير الدّراسات إلى أنَّ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام ترتبط بوظائف أفضل للدّماغ وتقلّل من التّوتّر والاكتئاب والتي هي عوامل تؤثر في الذاكرة، وأنَّ النّشاط البدني يزيد من تدفّق الدّم إلى الجسم بالكامل بما في ذلك الدّماغ.

ومن الضّروري أيضًا اتّباع نظام غذائي صحي، وعدم الإكثار من الكحول، والإقلاع عن التّدخين.

وينبغي الحفاظ على النشاط العقلي من خلال القراءة أو ممارسة هواية جديدة أو تعلّم العزف على آلة موسيقيّة.

ويساعد التّفاعل الاجتماعي  في التّقليل من الاكتئاب والإجهاد، وبالتّالي تأخير فقدان الذّاكرة، فمثلًا يمكن التّطوّع في مؤسّسات غير ربحيّة، أو قضاء بعض الوقت مع العائلة والأصدقاء، أو حضور المناسبات الاجتماعية (4).

الجلد

الشّيخوخة الجلديّة نوعان: 

الشّيخوخة الداخليّة (الذاتية) تؤثّر في جلد الجسم بالكامل بما في ذلك المواقع المحمية من الشمس وتؤثر على الجميع بغضّ النّظرعن نوع بشرتهم. ويمكن أن تتفاقم أيضًا بسبب العوامل البيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية، وسن اليأس، والتدخين، والتغذية السيئة، ونقص المناعة.

الشّيخوخة الخارجيّة تؤثّر على الأشخاص الذين يتعرّضون باستمرار لأشعة الشّمس (وهذا ما يعرف باسم  الشّيخوخة الضّوئية).

وتبدو البشرة المسنّة نتيجة الشيخوخة الداخلية جافة وشاحبة، ضامرة رقيقة وفاقدة للمرونة، وتزداد فيها التّجاعيد مع الوقت، ويتأخر التئام جروحها. 

وتكون درجات التّصبغ في الجلد المسنّ خفيفة جدًا ومنتظمة مقارنةً مع مع التّصبّغات المُحدَثة ضوئيًا، ويميل الجلد المسنّ إلى تطوير مجموعة متنوعة من الأورام الحميدة، مثل فرط التنسج الدهني والأورام الوعائية أما سرطانات الجلد في الشّيخوخة الدّاخلية أقل شيوعًا مقارنةً مع الشّيخوخة الخارجية.

وتساعد المرطّبات على التّحسين من جفاف البشرة وتقشرها، و للوقاية من شيخوخة الجلد يجب حماية البشرة من التّعرض الشّديد لأشعة الشمس وذلك بارتداء الملابس المناسبة واستعمال الواقيات الشّمسية وتجنّب الأنشطة في الهواء الطلّق خلال منتصف اليوم.

 ويجب أيضًا ممارسة الرياضة وتناول الفواكه والخضروات يوميًا بالإضافة إلى الإقلاع عن التدخين. 

ولا تتردّد في مراجعة طبيب الأمراض الجلدية في حال ظهر لديك أي مشكلة أو طفح أو ورم جلدي (5).

المصادر:

1. Ageing and health [Internet].Who; 2022 Oct 1 [cited 2023 Mar 21]. Available from: هنا

2. McHugh D, Gil J. Senescence and aging: Causes, consequences, and therapeutic avenues. Journal of Cell Biology JCB [Internet]. January 2017 Nov 7 [cited 2023 Mar 21] ; 217 (1): 65–77. Available from: هنا

3. Aging [Internet]. Harvard Stem Cell Institute Hsci; [cited 2023 Mar 21]. Available from: هنا

4. Healthy Lifestyle-Healthy aging-Aging: What to expect [Internet]. US:Mayo Clinic;[updated 2022 Nov 3;cited 2023 Mar 21]. Available from: هنا

5.Ayer J, Oakley A, McGivern M, Mitchell G. Skin ageing [Internet]. New Zealand: Dermnetnz All about the skin; 2018 jun [cited 2023 Mar 21]. Available from: هنا