اللغة العربية وآدابها > ألـــبـــومات

وقفة مع نزار قباني شاعر الحب

إنه الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس)؛ يوم الربيع الأول وميلاد نزار قباني؛ السيف الدمشقي الذهبي، وآخر العيون الأندلسية العميقة.. نزار المدرسة الشعرية والحالة الثقافية التي تثبت أن الشعر ليس نظمًا فحسب، بل هو عاطفةٌ وخيالٌ وثقافة، وهو فن غزْل الصورة بالكلمات وتوشيح الكلام بالصور والعواطف. تقودنا حروفه معيدةً للكلمة نكهتا، وللحب شقاوته، ولبساتين دمشق رائحة الليمون ولون زهر اللوز...

كونوا معنا في سلسلةٍ عن أعمال نزار قباني؛ بدايتها (نزار شاعر الحب).

وشاركونا أجملَ ما قاله برأيكم، وادعوا أحبتكم لقراءتها..

عندما تسطع عيناك كقنديلٍ نحاسي،

على باب ولي من دمشق

أفرشُ السجادة التبريز في الأرض وأدعو للصلاه..

وأنادي، ودموعي فوق خدي: مدد

يا وحيدًا.. يا أحد..

أعطني القوة كي أفنى بمحبوبي،

وخذ كل حياتي (1) 

عندما أدخل في مملكة الإيقاع، والنعناع، والماء،

فلا تستعجليني..

فقد تأخذني الحال، فأهتز كدرويش على قرع الطبول

مستجيرًا بضريح السيد الخضر وأسماء الرسول..

عندما يحدث هذا..

فبحق الله، يا سيدتي، لا توقظيني.

واتركيني..

نائمًا بين البساتين التي أسكرها الشعر، وماء الياسمين

علّني أحلم في الليل بأني..

صرت قنديلًا على باب ولي من دمشق..(1)

عندما تبدأ في عينيك آلاف المرايا بالكلام

ينتهي كل كلام..

وأراني صامتًا في حضرة العشق،

ومن في حضرة العشق يجاوب؟

فإذا شاهدتني منخطفَ اللون، غريبَ النظرات..

وإذا شاهدتني أقرأ كالطفل صلاتي..

وعلى رأسي فراشاتٌ وأسرابُ حمام..

فأحبيني، كما كنت، بعنف وجنون..

واعصري قلبي، كالتفاحة الحمراء، حتى تقتليني..

وعلى الدنيا السلام… (1)

وعدتك..

أن لا أبالي بشعرك حين يمر أمامي

وحين تدفق كالليل فوق الرصيف..

صرخت..

وعدتك..

أن أتجاهل عينيك، مهما دعاني الحنين

وحين رأيتهما تمطران نجومًا...

شهقت…

وعدت

بكل برودٍ.. وكل غباء

بإحراق كل الجسور ورائي

وقررت بالسر، قتل جميع النساء

وأعلنت حربي عليك.

وحين رفعت السلاح على ناهديك

انهزمت..

وحين رأيت يديك المسالمتين..

اختلجت.. (2)

وعدتك..

ألّا أخبّئ وجهي..

بغابات شعرك طيلة عام..

وألّا أصيد المحار بشطآن عينيك طيلة عام..

فكيف أقول كلامًا سخيفًا كهذا الكلام؟

وعيناك داري.. ودار السلام.

وكيف سمحت لنفسي بجرح شعور الرخام؟

وبيني وبينك..

خبزٌ.. وملحٌ..

وسكب نبيذٍ.. وشدو حمام..

وأنت البداية في كل شيءٍ..

ومسك الختام.. (2)

حديثك سجادةٌ فارسيه..

وعيناك عصفورتان دمشقيتان..

تطيران بين الجدار وبين الجدار..

وقلبي يسافر مثل الحمامة فوق مياه يديك،

ويأخذ قيلولةً تحت ظل السوار..

وإني أحبك..

أنا لا أناقش حبك.. فهو نهاري

ولست أناقش شمس النهار

أنا لا أناقش حبك..

فهو يقرر في أي يوم سيأتي.. وفي أي يومٍ سيذهب..

وهو يحدد وقت الحوار، وشكل الحوار..

هل قلت إني سعيدٌ لأنك جئت..

وأن حضورك يسعد مثل حضور القصيده

ومثل حضور المراكب، والذكريات البعيده.. (1)

كيف تريديني أن أبرهن أن حضورك في الكون،

مثل حضور المياه،

ومثل حضور الشجر

وأنك زهرة دوار شمسٍ..

وبستان نخلٍ..

وأغنيةٌ أبحرت من وتر..

لماذا أحبك؟

إن السفينة في البحر، لا تتذكر كيف أحاط بها الماء..

لا تتذكر كيف اعتراها الدوار..

لماذا أحبك؟

إن الرصاصة في اللحم لا تتساءل من أين جاءت..

وليست تقدم أي اعتذار..

لماذا أحبك.. لا تسأليني..

فليس لدي الخيار.. وليس لديك الخيار (1)

يا من تحديت في حبي له مدنًـا بحالهــا وسأمضي في تحديهـا

أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي يـا قصة لست أدري مـا أسميها

ألا تراني ببحر الحب غارقـة والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا

انزل قليلًا عن الأهداب يا رجلا مــا زال يقتل أحلامي ويحييها

ارجـع فبعدك لا عقد أعلقــه ولا لمست عطوري في أوانيهــا

ارجع كما أنت صحوًا كنت أم مطرًا فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا (3) 

المصادر:

1- قباني  نزار. أحبك أحبك والبقية تأتي بعد. بيروت: مكتبة انطوان؛ 2015. ص8،11،19،21 

2- قباني نزار. سيبقى الحب سيدي. بيروت: منشورات نزار قباني؛ 1992. ص7،9،15

3- قباني  نزار. قصائد متوحشة. بيروت: نوفل؛ 2014. ص39