الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

كيف ننطلق من وسائل التواصل الاجتماعي إلى إحداث تغيير؟

تُعدُّ وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً أساسية للنشاط والحِراك الاجتماعي المعاصر؛ كونها تؤدي دورًا رئيسًا بوصفها أدوات متقدمة للاتصال والمعلومات، أبعدَ من كونها مجرد طريقة لإرسال الرسائل الاجتماعية واستقبالها؛ ما يسمح بتسهيل العمل الجماعي وتقليل التكلفة والوقت (1)، ولكن ما الدور الذي تؤديه في الحراك الاجتماعي؟

يُعرَّف الحراك الاجتماعي بأنَّه عمليةٌ تمارس من خلالها مجموعاتٌ من الأشخاص ضغطًا على المنظمات أو مؤسسات أخرى لتغيير السياسات أو الممارسات أو الظروف التي يجدها النشطاء إشكاليةً، ويمكن للنشطاء من العامة تنظيم مجموعات أو أفراد للتأثير في جماهير أخرى عن طريق العمل الجماعي، ويُعرَّف الحراك أو النشاط الاجتماعي في علم الاجتماع عمومًا بأنَّه سلسلة من الأفعال المثيرة للجدل التي يسعى الأشخاص العاديون عن طريقها إلى تغيير القضايا الاجتماعية من خلال العمل الجماعي الذي يؤدونه (1).

واستمر الحراك الاجتماعي في التطور منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل فيسبوك وتويتر، التي تعد اليوم وسيلةً استراتيجية في النشاط الاجتماعي؛ إذ يمكن أن تشكِّل بيئةً يجتمع فيها الأشخاص المتشابهون في التفكير بسهولة ممَّا يسهِّل العمل الجماعي لتغيير المجتمع أو المشكلات الاجتماعية، وقد درس عديدٌ من العلماء وسائلَ التواصل الاجتماعي بوصفها أداةً للتعبئة والتفاعل لتحفيز النشاط الاجتماعي، فعلى سبيل المثال؛ عُدَّت وسائل التواصل الاجتماعي أداةً ملهمة في حركات اجتماعية عديدة تطالب بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية حول العالم  (1).

كيف ينخرط الناشطون والمهتمون في قضية معينة في حراك على وسائل التواصل الاجتماعي، ولِمَ؟

أظهرت نتائج الدراسات أنَّه كلَّما وجد الأفراد أنَّ تجربتهم عن طريق الإنترنت في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في السياسة كانت مرضية، أدركوا أنَّ لديهم القدرة على استخدام هذه الوسائط لأغراض سياسية، لذلك من الممكن في ظل وجود تجارب ناجحة أو مرضية، أن يزداد التصوُّر حول فعاليةِ الاستخدامات السياسية لوسائل التواصل الاجتماعي، بينما إن كانت التجارب سلبيةً فستنخفض التصورات حول فعاليتها خاصةً في الحالات التي لا يكون للأفراد فيها خبرةٌ كبيرة في هذا المجال، وبذلك ستتخذ التجارب الناجحة أشكالًا مختلفة عند المستخدمين، إذ إنَّها قد تكون ناجحة في إقناع شخص ما بقضية معينة أو تعبئة عدد كبير من الناس، وقد تأخذ شكل اكتساب إعجاب الآخرين (2).

وتتنوَّع دوافع المنخرطين في الحراك الاجتماعي على منصات التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال؛ يمنح المستخدمون المدفوعون بالرغبة في المكانة الاجتماعية إلى الحصول على قبول الآخرين واعترافهم معنىً مختلفًا للحراك الاجتماعي، وهو يختلف عن معنى المستخدمين الذين يريدون صقل مهاراتهم (2).

كيف أدَّت وسائل التواصل الاجتماعي دورها على أرض الواقع؟

يشجِّع استخدامُ وسائل التواصل الاجتماعي الناشطين على التواصل ومشاركة مجهودهم والمعلومات فيما بينهم (1)، عن طريق نشر الشعارات والوسوم النصية والأيقونات والأسماء والصور فضلًا عن التغريدات والرسائل، ما يشكِّل أرضيةً لبناء هوية جماعية وتعبير مشترك في حركات الاحتجاج والنشاط المجتمعي (3).

وكان من المهم ظهور نقاشات حول الهوية الجماعية في الحركات الاجتماعية لرصد خصوصية الحركات الاجتماعية الجديدة في السبعينيات والثمانينيات؛ كالحركة الطلابية والحركة البيئية والحركة النسوية، والتي تطورت إلى حد كبير عن طريق معارضتها هياكلَ العضوية الجماهيرية الرسمية المرتبطة بالعصر الصناعي والحركة العُمَّالية؛ ما أظهر أهمية عاملَين في تحريك الناشطين: قوة الروابط فيما بينهم، وإحساسهم بالانتماء إلى مجموعة من الأشخاص؛ مثل الطلاب والنساء والعمال (3).

وقد عزَّزتها وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما شجع الناشطين على الانخراط في نشاطات على أرض الواقع لحل مشكلات معينة (1). 

وكان لوسائل التواصل الاجتماعي -على سبيل المثال- دورٌ كبير في الحملات التي ظهرت في المجتمع الأفريقي الأمريكي ضد العنف والعنصرية اللذين مارستهما قوات الأمن، إذ انتشر هاشتاغ أو وسم (BlackLivesMatter) منذ عام 2013 واستخدمه المحتجون لنشر المعلومات المتعلِّقة بالحركة وتبادلها، فضلًا عن تنظيم الأنشطة الجماعية (1).

وبتحليل بعض الممارسات الاحتجاجية على وسائل التواصل الاجتماعي، وجد الباحثون أنَّ عددًا من الصور المُستخدمة رموزَ احتجاج على الإنترنت -كالقناع المجهول- تُشكِّل دلالات تسمح بساطتُها بتبنِّيها السريع وانتشارها الواسع، ما يتعارض مع الآراء المنتشرة حول وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها فردية، وتوضَّح أنَّه من الممكن استخدام هذه المنصات لتحديد الهوية الجماعية، لكن في الوقت نفسه، من الواجب إلقاء الضوء على تقلُّب هذه الأشكال الناشئة للهوية الجماعية المرتبطة بظهور الحشود على الإنترنت، فكما يمكن للمستخدمين تبديل صورة ملفهم الشخصي إلى صورة رمزية للاحتجاج بسهولة، يمكنهم بالسهولة نفسها التخلي عنها أيضًا وتغييرها (3).

المصادر:

1. Chon M, Park H. Social Media Activism in the Digital Age: Testing an Integrative Model of Activism on Contentious Issues. Journalism & Mass Communication Quarterly. 2019;97(1):72-97. Available from: هنا

2. Velasquez A, LaRose R. Social Media for Social Change: Social Media Political Efficacy and Activism in Student Activist Groups. Journal of Broadcasting & Electronic Media. 2015;59(3):456-474.Available from: هنا

3. Gerbaudo P, Treré E. In search of the ‘we’ of social media activism: Introduction to the special issue on social media and protest identities. Information, Communication & Society. 2015;18(8):865–871. Available from: هنا