الفنون البصرية > الرسوم المتحركة والإنمي

ميازاكي وعوالمه الفريدة

نشأته:

وُلد هايو ميازاكي (Hayao Miyazaki) في العاصمة اليابانيّة طوكيو، عام 1941، وكان تحصيله العلمي غير مرتبط بمجال عمله، إذ إنّه درس العلوم السياسيّة والإقتصاد، في جامعة غاكشوين (Gakushuin University)، وتخرّج منها عام 1963 (1). وفي أثناء نشأته، كانت والدة ميازاكي ذات شخصيّة وإرادة قويّتان، على الرغم من أنّها كانت مصابة بمرض السلّ الذي أجبرها على البقاء طريحة الفراش، إلّا أنّها كانت تهتّم بالتحدّث مع ابنها وبرفع المستوى العقلي والفكري لديه، إذ كانت تدير نقاشات معه عن السياسة وغيرها، وهذا ما كان له تأثيرٌ واضحُ على أعماله (2).

أعماله:

بدأ ميازاكي مسيرته رسّامًا للرسوم المتحركة في شركة توي (Toei Animation Company)، وعمل تحت إشراف المخرج إيساو تاكاهاتا (Isao Takahata) في تخطيط المشاهد، ورسم مفاتيح الحركة الأساسيّة لفيلم (The Little Norse Prince Valiant) عام 1968. انتقل بعد ذلك مع تاكاهاتا إلى استديو الرسوم المتحركة (A Production)، وكتبَ فكرة وسيناريو فيلم (Panda! Go Panda!) عام 1972، إضافةً للمسته الفنيّة، في رسم مفاتيح الحركة الأساسيّة للفيلم (1).

عمل ميازاكي في استوديوهات عديدة، وأشهرها استوديو نيبّون أنيميشن (Nippon Animation)، إذ عملَ بتخطيط وتصميم المشاهد، للمسلسل التلفزيوني المحبوب "هايدي" (Heidi, Girl of the Alps) عام 1974، و"وداعًا ماركو" (from the apennines to the andes)عام 1976.

وفي عام 1978 أخرج المسلسل التلفزيوني الشهير "عدنان ولينا"  (Conan, The Boy in Future) (1). وظهر ميازاكي للمرة الأولى مخرجًا للسّمات المسرحيّة في فيلم (Castle Of Cagliostro) عام 1979، أما في عام 1984 فقد كتب وأخرج فيلمه الروائي (Nausicaa of the Valley of the Wind)، مستندًا على روايته المصوّرة الأصليّة، والتي نُشرت في مجلة الرسوم المتحركة الشهيرة (Animage). وفي عام 2008 كتب وأخرج فيلم (Ponyo on the Cliff by the Sea)، وأسهم في تخطيط وكتابة سيناريو الفيلمين (Hiromasa Yoneba   yashi’s Arrietty) 2010، و(Goro Miyazaki’s From Up On Poppy Hill) 2011  (1).

استيديو غيبلي:

 شهد عام 1985 بداية تأسيس استوديو غيبلي الشهير (Studio Ghibli)، على يدّ المبدّعين ميازاكي وتاكاهاتا. أنتّج غيبلي 22 فيلمًا وأحتلّ معظمهم المرتبة الأولى في شباك التذاكر في اليابان، إذ حقق فيلم (Spirited Away) أكثر من 30 مليار ين، وبذلك يكون الفيلم الأكثر ربحًا على الإطلاق في اليابان، وأُسّس استديو غيبلي بالإشتراك مع مؤسّسة توكوما الثقافية التذكارية للرسوم المتحركة (The Tokuma Memorial Cultural Foundation for Animation)، متحف "غيبلي – ميتاكا"، الذي كان من تصميم ميازاكي وافتُتح عام 2001، ويعمل فيه هايو مديرًا تنفيذيًّا (3). وقدّ حاز استوديو غيبلي على أربع ترشيحات متتّالية لجائزة الأوسكار، عن فئة " أفضل فيلم رسوم متحركة طويل ".

أمّا أحدث أفلام غيبلي، فهي "حكاية الأميرة كاغويا" (The Tale of the Princess Kaguya) و(The Wind Rises) عام 2013، "عندما كان مارني هناك" (When Marnie Was There) 2014، و"السلحفاة الحمراء" (The Red Turtle) 2016 (3).

 

الجوائز:

حصدّ فيلم (Spirited Away) من إخراج ميازاكي، عام 2001 على جوائز عديدة، منها جائزة الدبّ الذهبي (The Golden Bear)، لأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2002، وجائزة الأوسكار (Oscar)، لأفضل فيلم رسوم متحرّكة طويل عام 2003.

وحاز فيلم (Howl’s Moving Castle) على جائزة أوسيلّا (Osella) في مهرجان البندقيّة السينمائي الدولي عام 2004 (1,3)، أما ميازاكي فقد حصل على جائزة الأسد الذهبي (The Golden Lion) عن إنجازاته مدى الحياة، في مهرجان البندقية السينمائي عام 2005 ، وفي عام 2012 حصل ميازاكي على لقب "شخصيّة الجدارة الثقافيّة " (Person of Cultural Merit) من قبل الحكومة اليابانية (1).

لمحة عن عوالمه:

كتبت أستاذة في جامعة تافتس (Tufts) سوزان نايبر (Susan Napier) كتابًا يُحللّ أفلام هايو ميازاكي وحياته، بعنوان "عوالم هايو ميازاكي الرائعة" (The Fantastic Worlds of Hayao Miyazaki)، وقد وصفت فيه أنّ كلّ فيلم يقوم ميازاكي على العمل عليه يمثّل دخولًا إلى عالم رائع وجديد وغير مألوف كما في فيلم (Princess Mononoke). وقالت "إنّه رجل معقدّ للغاية وعاطفي"، وأضافت "إنّه شخص جيّد القراءة، ومهتم جدًا بالأحداث الجارية، وهو يأخذها ويأخذ قصّته الخاصّة ويكتب شيئًا أصليًّا تمامًا".

وبالعودة إلى الرسوم المتحركة، ففي أيامنا هذه لا يُنظر إليها على أنّها تخصّ الأطفال , فمن بداية الستينات ذهبت باتجاه أكثر بكثير للبالغين. وبمقارنة بسيطة بين الرسوم المتحرّكة الأميركيّة واليابانيّة (تحديدًا أعمال ميازاكي)، ففي الرسوم المتحركة الأميركيّة، نتوقع أفكار بسيطة ونهايات سعيدة دائمًا، - مثل أفلام ديزني - أمّا ميازاكي فلا يفعل ذلك بالتأكيد، وما يميّز أعماله بأنه ليس من الضرورة أن يكون لديك أشرار وأخيار واضحون، إذ نجد في أفلامه للأشرار بعض الخير، وللأخيار بعض الشرّ في نفوسهم.

وعلى الرغم من أنّ أفلام ميازاكي تتمتّع بحسٍ بصريّ غنيّ، لكنّها مختلفة تمامًا عن أفلام ديزني، التي كانت تعرض أربع وعشرون رسمة يدويّة بالثانيّة (twenty-four frames per second)، مما ينتج عن ذلك حركة سلسة وغنيّة, أمّا الرسوم المتحرّكة اليابانيّة، فكانت ذات ميزانيّة أقل عندما بدأ ميازاكي، إذ إنها -لتوفير المال- كانت تعرض اثني عشر رسمة يدويّة بالثانيّة (twelve frames per second)، فكان لديهم ديناميكيّة مختلفة بالعمل، فنظرًا لقلة الرسومات بالثانية، لا يمكنهم تحريك الوجوه بشكل معقد، والأشكال ستكون أقل واقعيّة، إلاّ أن ميازاكي كان مميزًا جدًا في رسم الشعر وتحريكه (2).

ويدافع ميازاكي في أفلامه عن بعض القضايا الصعبة، وتميّز بأنّه وثيق الصلّة بلحظة اليوم، وتبدو مواضيع مثل "حبّ الطبيعة" و"وحشيّة الجنس البشري" و" فقدان البراءة " قاسمًا مشتركًا في أفلامه. لطالما كانت لليابان ثقافةً ذكوريّة للغاية، ومع ذلك فإن أفلام ميازاكي غالبًا ما تكون الفتيات هنّ الأقوى، مثل فيلم (Nausicaä of the Valley of the Wind), وبذلك يجعل غير المألوف مألوفًا (2).

بدأ الكاتب أليستر سويل (Swale Alistair)، في كتابه (Miyazaki Hayao and the Aesthetics of Imagination: Nostalgia and Memory in Spirited Away) في وصف ميازاكي بأنّه مثقّف، وذو خيالٍ عاطفي، ولديه حالةٌ من الحنين إلى الماضي، ويحاول استعادة أشياء مفقودة للثقافة اليابانية (4).

ختامًا، لا يسعنا إلى أن نصف أعمال ميازاكي على أنها التوازن بين الظلام والنور، فهو يدخلنا معه في كلّ مرة إلى عالم مختلف، وقصة فريدة، وأحداث غير متوقعة، نعيش فيها مع الأبطال، آلامهم وآمالهم، ولاينتّهي الفيلم إلاّ وتتملكنا مشاعر مختلطة ومواقف لاتنسى.