الفنون البصرية > أعمال سينمائية

مراجعة فيلم Persuasion

نجحت "جين أوستن (Jane Austin)" -بستِّ روايات مكتملة لا أكثر- في تكوين مجتمع أوستوني من معجبين متفانين وذوي ولاء؛ بدقة ملاحظتها وطرافتها الناقدة، ولمستها المميزة في تكوين شخصيات عالمها وتحديداً بطلاتها؛ اللاتي لم يكنَّ انعكاساً مثاليَّاً لتوقعات المجتمع عن المرأة آن ذاك، بل كنَّ قبل كل شيء بشراً، الأمر الذي جعل نساء القرن الـ 19 -وحتى الآن بعد مئتي عام- يرَين أنفسهنَّ بِهنّ.

لذلك؛ فإن الإعلان عن أي عمل سينمائي تجرأ على اقتباس احدى روايات أوستن يستنفر المجتمع، ويعلن الجمهور تحفظه واستياءه المسبق؛ إذ إن المزيج المميز من الفكاهة وعمق المعالجة وتركيب الشخصيات الفريد يشكل تحدياً حقيقيَّاً لأي صانع أفلام، ويتجلى هذا التحدي بأن يضيف لمسته ويخلق عملاً خاصَّاً به دون أن يخل بهذا المزيج أو يسيء إليه.

وفي الحقيقة؛ فقد نجح قلائل بهذا التحدي، منهم "جو رايت (Joe Wright)" الذي بقي وفيَّاً لقصة (Pride and Prejudice) إلى أقصى درجة، وفيلم (Emma) من إخراج (Autumn De Wild) التي نقلت لنا القصة بأمانة لكن برؤية خاصة، وطبعاً (Clueless) الاقتباس الأكثر جرأة بين الثلاثة، والذي أعاد صياغة الرواية ذاتها بأسلوب معاصر، ونجح بذلك دون المساس بجوهرها، لكن للأسف؛ فيلم (Persuasion) المقتبس عن رواية أوستن الحاملة للاسم نفسه، ليس له مكان ضمن هذه القائمة.

الفيلم من إنتاج نيتفليكس، بطولة داكوتا جونسون بدور "آن (Anne)"، يقص حكاية امرأة في آخر عشرينياتها، عانس في نظر المجتمع وشفافة في نظر عائلتها، ما زالت تتجرع مرارة الخيبة بعد ثماني سنوات من اتخاذها قراراً ألقى بعباءة من الحزن والوحدة على حياتها، في قصة عن الأمل والندم، والخسارة والفرص الثانية، عن تقبل الماضي والمضي قدماً.

وأكثر ما أثار سخط جمهور أوستن هو شخصية "آن"، العيب لم يكن باختيار داكوتا أو باقي كادر التمثيل؛ فقد كان أداؤهم أحد نقاط القوة القليلة في الفيلم؛ بل كان في طريقة كتابة الشخصية وبنائها لتصبح أبعد ما يمكن عن "آن" التي كتبتها أوستن؛ ففي حين أن "آن" الرواية امرأة قادرة على استيعاب من حولها، وإيجاد الطرائق المثلى للتعامل معهم بلا أحكام مسبقة مع القليل من الفكاهة، امرأة متزنة تبقي على ألمها وبؤسها وتخبطها لنفسها؛ فتغوص بهم داخل عالمها الخاص، ولا تبدي إلا القليل أمام الآخرين؛ تبدو "آن" الفيلم على العكس تماماً؛ فهي امرأة غارقة في كره ذاتها ولومها، وتتلذذ بالحكم على الآخرين، فجعلت بذلك الخصال التي قربت "آن" منا وأكسبتها تعاطفنا مع معاناتها وتفهمها مفقودة في شخصية داكوتا، وبهذا فقدت معها كل التعاطف والتفهم.

العيب الآخر -والأكبر- هو في الخيارات السردية والإخراجية التي جردت الرواية من جوهرها؛ فقد كان "التوق" و "الترقب" عنصرين أساسيين فيها، ومن أكبر نقاط الجذب التي تجعلنا نحبس أنفاسنا و نبحث بأعيننا بين السطور عن أية نظرة أو كلمة أوحركة تعطي بصيصاً من الأمل.

أما المخرجة؛ فقد نجحت نجاحاً باهراً في قتل هذا الترقب، وأبقتنا في معظم المشاهد على مسافة من الحدث، ومن الأشخاص ومشاعرهم، وخلقت حواجز بيننا بتكوين الكادر غير المدروس وضعف البناء الدرامي؛ مما جعل مجريات الأحداث متفككة ومملة وجعلنا غير مبالين بالنهاية. إضافة إلى اللمسة المعاصرة التي فرضوها على نص لا يحتملها، لا شك أنهم كانوا يسعون الى تحقيق شيء ما عن طريقها، لكن الأثر الوحيد لها كان تحويل أبلغ الحوارات الأدبية في الرواية إلى عبارات سطحية وساذجة، تخلو من أي قيمة مضافة.

قد لا يرقى الفيلم الى المادة الأصلية، أو الى آمال الجمهور، أو إلى التوقعات المنخفضة التي فرضها الفيديو التشويقي، لكنه يبقى فيلماً كوميديَّاً ورومانسيَّاً لطيفاً ومناسباً لمشاهدة جماعية مع أصدقائكم، حيث يمكنكم تناول البوشار، ومناقشة بعض الأفكار، أخذ غفوة سريعة أو الذهاب إلى الحمام، دون القلق من أن يفوتكم شيء.

معلومات الفيلم: