كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (مي: ليالي إيزيس كوبيا) من صخب الشهرة إلى الوحدة والفقر

"أتَمَنّى أنْ يَأتِيَ بَعْدِي مَنْ يُنْصِفُنِي." تعد تلك المقولة لمي زيادة الدافع لكتابة رواية (مي، ليالي إيزيس كوبيا)، إذ تفترض الرواية أن للكاتبة (مي زيادة) مخطوطة ضائعة عنوانها (ليالي العصفورية)، وتحكي مي فيها قصة دخولها العصفورية بحيلة من ابن عمها وتروي كيف قضت أيامها هناك.

لم يكن "ياسين"، الموظف في المكتبة الوطنية الفرنسية مهتمًا في البداية بتلك المخطوطة، لكن ما يعرفه عن قصة حياة (مي زيادة) القاسية دفعه إلى البحث عن تلك المخطوطة ليصوّر عن حياة مي فيلمًا وثائقيًّا، نتتبع في الفصل الأول من الرواية رحلة بحث "ياسين" وصديقته "روز" عن المخطوطة بين بيروت والقاهرة وروما وبرلين ولندن وفيينا وباريس والناصرة، ليجدا المخطوطة في القاهرة أخيرًا بعد رحلةٍ شاقّة بين من كان يعرف بوجود تلك المخطوطة فعلًا وبين من احتال عليهما ليحصل على المال.

ونتتبع في المخطوطة يوميات (مي زيادة) في العصفورية، بداية من خداع ابن عمها لها وحبسها في المنزل بحجة الاسترخاء والهدوء، إلى إشاعة جنونها بمعرفة العائلة ومباركتها لذلك والاستيلاء على أموالها بحجة مساعدتها في إدارة تلك الأموال، واستدعاء الطبيب لنقلها إلى العصفورية، ثم خروجها من العصفورية دون أن تملك ما يوفر قوت يومها.

يصف الكاتب (واسيني الأعرج) مشاعر (مي زيادة) بدقةٍ تجعل القارئ يشعر وكأنه معها في غرفتها في العصفورية، إذ تُصوّر الرواية كثيرًا من المآسي والآلام التي عانتها مى هناك. فمثلًا في بداية تلك المخطوطة المفترضة تقول:

"موجودة وكأنِّي لم أكن.

موجوعة، لا أحد يسمعني.

لا شيء الآن سوى أنِّي قرَّرتُ الموتَ كتابة.

أكتب لكي أستمرّ فيّ.

الغياب، جهنَّم الأرض"

لذلك قررت أن تكتب مأساتها لعلّها تجد من يصدّقها يومًا.

تروي في تلك المخطوطة قصة حياتها بدءًا من الميلاد والتربية الدينية في مدارس الراهبات التي اختارها لها أهلها حمايةً لها من أخطار الزمن، ثم تنتقل إلى وصف شعورها الحالي في العصفورية وإضرابها عن الطعام خوفًا من تسميمها وقتلها، حتى التقت بممرضة تُدعى (بلوهارت) بمعنى القلب الأزرق، وقد كانت (بلوهارت) تعرف مي زيادة وتحب كتاباتها، ولعل ذلك ما جعل مي تطمئن لها وتتأكد من صدق مشاعرها وتنفذ نصيحتها لها بالتوقف عن الإضراب عن الطعام لأن ذلك لن يفيدها بل عليها أن تهتم بصحتها لتسترد حقها، وقد وفرت (بلوهارت) لمي أقلام الرصاص والمبراة والممحاة والأوراق لتدون يومياتها في العصفورة؛ ما قد يساعدها في الاستشفاء من الاكتئاب الذي أصابها ولكنها وفرتهم دون إذن الطبيب قائلة: "أنا أريدك أن تستمرِّي في الحياة يا آنسة مي. قرأتك كثيرًا، وأحببتك بقوَّة عن بعد. أدرك بداخلي أنك لست كما يصفونك. لا يمكن لامرأة بعقلك أن تكون كما يقولون عنها."

وبينما تتوقع مي أن تجد من يدافع عنها من أصدقائها الكُتّاب تجد أن معظمهم يصدق ادعاءات جنونها بل ويؤكد ذلك على صفحات الجرائد؛ ما جعلها تشعر بالخذلان وتفقد الثقة في صدق تلك الصداقة والعِشرة الطويلة. ولكن يتراجع عن ذلك أحد أصدقائها ويتولى مهمة الدفاع عنها والترتيب لأن تلقي محاضرة عن الأدب حين خرجت من العصفورية بعد أن قضت بها ما يقارب العام. وقد ساعدها ذلك الصديق في إيجاد مسكن مناسب لها وعاشت فيه حتى وفاتها متأثرة بمرض رئوي. فمعَ الشهرة الواسعة التي حققتها مي في حياتها ماتت وحيدةً فقيرة بائسة.

وصلت رواية (مي، ليالي إيزيس كوبيا) في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) عام 2019 (1). هل قرأتم الرواية؟ وهل قرأتم للكاتبة (مي زيادة)؟

معلومات الكتاب:

المصادر:

الأعرج واسيني. مي: ليالي إيزيس كوبيا [Internet]. الجائزة العالمية للرواية العربية.[cited 2022Dec8]. 2019. Available from: هنا