الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

كيف تتحكم الألعاب بحياتنا؟

بينما يجلس جون ناش (John Nash 1928-2015)، عالم الرياضيات الشهير الحائز على جائزة نوبل مع أصدقائه في إحدى الحانات، تدخل مجموعة من الفتيات ويبدأ الرهان على من سيفوز بصحبة الفتاة الشقراء من بينهم، أما ناش فيكون على وشك وضع نظرية جديدة.

في هذا المشهد من فيلم (A Beautiful Mind) يشرح ناش لأصدقائه النتائج المتوقعة لكل قرار يمكن أن يتخذوه في محاولتهم للفوز بالرهان، فإذا سعى الأصدقاء الأربعة للتقرب من الفتاة ذاتها، لن ينجح أي منهم بذلك ولن يحظوا بفرصة أخرى للتقرب من صديقاتها بعد ذلك، أما إذا لم يخطو أي منهم أي خطوة تجاه الفتاة، فسيحظى كل منهم بفرصة للتعرف على إحدى صديقاتها، أي أن المنفعة ستعم إذا اتخذ كل فرد قرارًا يحقق أفضل النتائج له وللآخرين، وهنا يتوصل ناش إلى ما سيعرف لاحقًا بتوازن ناش بوصفه حلًّا للمواقف المشابهة ضمن ما يُعرف بنظرية الألعاب (Game Theory).

وتشير حالة التوازن إلى مجموعة من الاستراتيجيات التي يمتلكها كل لاعب في اللعبة، لكن اتباع أي طرف استراتيجيةً محددة يتبعه إلحاق ضرر بالطرف الآخر، ما يُفضي إلى انعدام وجود طريقة لتحقيق الفائدة للطرفين (1).

إن لنظرية الألعاب تطبيقات واسعة في الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع وإلى حد ما في الفلسفة، وتدرس الحالات التي يكون فيها لكل شخص ترتيب معين للنتائج المحتملة حسب تفضيله، كما في معضلة السجين التي يحقق فيها الأشخاص أفضل النتائج الممكنة عند تعاونهم فقط، فضلًا عن معضلة الليبرالية التي تدرس التعارض بين مفاهيم التحرر والتوازن المجتمعي (2).

ويمكن أن نعثر على نظرية الألعاب في كتابات الفلاسفة القدماء، ففي بعض نصوص أفلاطون يصف سقراط إحدى المعارك كما يأتي:

تخيل جنديًّا يقف في الصف الأمامي وينتظر مع رفاقه صد هجوم العدو، ويفكر بالآتي: في حال نجح الجيش في صد الهجوم، فإن مساهمته الشخصية غير ضرورية، ولكنه إذا ساند أصدقاءه فسيتعرض غالبًا لخطر الإصابة أو القتل دون سبب وجيه، ومن ناحية أخرى، إذا انتصر العدو في المعركة، فإن احتمالية إصابته أو تعرضه للقتل تبقى مرتفعة، وهنا يبدو واضحًا له انعدام جدوى بقائه، ما يدفعه إلى الهرب.

وإذا فكر الجنود جميعًا بهذه الطريقة، وهذا احتمال وارد لأنهم يتعرضون للموقف ذاته، فإن شعورهم بالخسارة سيزيد رغبتهم بالهرب، وفي المقابل فإن إيمانهم بالنصر دون أن يكون متوقفًا على مساهمة فرد بعينه، سيقلل من حماسهم للاستمرار في القتال مما سيؤدي الى هزيمة محتملة (1).

وهنا يمكن طرح السؤال الآتي: هل يمكن أن تخضع الأحكام الأخلاقية للتبرير العقلاني؟ 

إن مشكلة النظرية الأخلاقية لا تكمن في تحديد الافتراضات الأخلاقية التي تُبنى عليها الأفعال، لكن في فهم الأسباب التي تدفع المرء لاختيار التصرف بطريقة دون غيرها، وعندما نتحدث عن القرارات التي ترتبط بتفاعلنا مع الآخرين، فإننا نتحدث عن نظرية الألعاب، وفيها يتوقع كل لاعب الخيار العقلاني للاعب الآخر ،ثم يتصرف على أساس زيادة منفعته المتوقعة (3).

وعمومًا تتعارض الأخلاق والعقلانية، ففي الوقت الذي تهتم فيه العقلانية بالمصلحة الذاتية، تُعنى الأخلاق بالعدالة والإنصاف، وفي حين تعادل العقلانية إشباع الرغبات الفردية، تهتم الأخلاق برغبات ورفاهية الجميع، وهنا يأتي دور نظرية الألعاب في دراسة كيفية الحد من المصلحة الشخصية على حساب مصلحة المجتمع (2).

المصادر:

1. Ross D. Game Theory [Internet]. Stanford Encyclopedia of Philosophy. Stanford University; 2019 [cited 2023Jan02]. Available from: هنا

2. Bruin B. Game Theory in Philosophy. Topoi [Internet]. 2005 ;24(2):197-208. Available from: هنا

3. McClennen E. Rational Choice and Moral Theory. Ethical Theory and Moral Practice [Internet]. 2010 ;13(5):521-540. Available from: هنا