الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الآثار الاقتصادية لكأس العالم 2022 في قطر

وصلت بطولة كأس العالم التي تُقام كل أربع سنوات إلى الشرق الأوسط؛ إذ تعد المرة الأولى في تاريخها الممتد، فتتميز أحداث كأس العالم 2022، الذي يعود تاريخه لأول مرة لعام 1930  (1) بأنها ستقام في دولة عربية، حيث فقد اُختيرت قطر لتكون الدولة المضيفة لهذا العام، ستكون استضافة قطر لكأس العالم فرصة للشرق الأوسط والدول الغربية لتحسين العلاقات الدبلوماسية، ومن المتوقع أن يبلغ عدد المتابعين خمسة مليار نسمة لمشاهدة بطولة هذا العام، وهذا العدد لم يقتصر على كونه رقمًا قياسيًّا لعدد مشاهدي كأس العالم، بل سيجعل كأس العالم 2022 الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة في التاريخ (2) وعلى الرغم من ذلك، يؤدي احتواء كأس العالم إلى وقوع كثير من البلدان المضيفة في تكاليف مالية إضافية؛ لأنه في نهاية الأمر كأس العالم هو حدث وبطولة منفصلة وليست حدثًا خاص بالبلد المضيف، والإيرادات المباشرة جميعها التي ولدت من كأس العالم تكون ملكًا للـ(FIFA)، حيث تأتي هذه الإيرادات من حقوق بيع (FIFA) للبطولة، ولا تشارك أيًّا منها مع الدولة المضيفة (3)  كما أن (FIFA) لديها متطلبات ومعايير صارمة، وأبرزها هو احتواء الدول المضيفة على ملاعب قادرة على أن تستوعب ما بين 40,000\80,000 شخص (4) في كثير من الحالات، تحتاج البلدان المضيفة إلى بناء ملاعب جديدة من أجل تحقيق هذه المعايير، وعلاوة على هذه التكاليف فإن بعض الدول المضيفة وخاصة النامية تحتاج إلى إنشاء بنية تحتية جديدة كليًّا، أو تحسين البنية التحتية الحالية لجعل الوصول إلى المباريات أكثر سهولة وأمانًا وكفاية لاستيعاب تدفق السياح، وعمومًا يمكن أن تكلف نفقات البنية التحتية مليارات الدولارات دون حصولها على حصة من عائدات كأس العالم المرتبطة مباشرة بالـ(FIFA)، فنادرًا ما تكون عائدات السياحة كبيرة بما يكفي الدول المضيفة لتعويض هذه التكاليف (5).

إذًا، لماذا سعت قطر لاستضافة كأس العالم 2022؟

إن استضافة قطر لكأس العالم أدى إلى عديد من النتائج والتغييرات على الاقتصاد القطري، ومن أبرزها التغير في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث ارتفعت نسبته البالغة 3% عام 2021 إلى 4.8% في عام 2022، كما أنه من المتوقع أن تبلغ نسبته مستقبلًا في عام 2023 إلى 4.9%،

إضافة إلى الانخفاض في نسبة التضخم بنسبة 0.5% من العام 2022 إلى العام الذي يليه 2023 (6).

تهدف قطر إلى تنمية اقتصادها في مجالات أخرى غير قائمة على الطاقة، من خلال الاستثمار الأجنبي، ولا تعد قطر استضافة كأس العالم مجردَ ترفيه ومصدرًا لتوليد الإيرادات ، بل تعده وسيلةً للتقارب بين الدول، وهو أمر يعكس الأولويات الدبلوماسية للدولة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتأمل قطر من خلاله إلى تعزيز علاقتها مع الدول الأخرى، لا سيما الدول الإقليمية التي قطعت العلاقات الدبلوماسية بين عامي 2017 و2021، وترى في كأس العالم فرصة لتحويل أنظار العالم إلى الشرق الأوسط، وتأطيرها بوصفها منطقة ذات تقاليد وثقافة عميقة الجذور تقوم على السلام والوئام، وليست منطقة نزاعات وصراعات (7) على الرغم من أن كأس العالم يعد أحد المؤثرات الاقتصادية الإيجابية على البلد المضيف، فآثاره تختلف من حيث الفترة الزمنية، مما جعل الآثار الطويلة الأمد لا تلقى الانتباه الكافي من قبل عديد من الاقتصاديين، وذلك بسبب عدم إمكانية قياسها وتقييمها بعد مرور عام واحد، فهناك العديد من وجهات النظر المتفائلة عن تأثيرات كأس العالم على اقتصادات البلدان المقدمة لهذا الحدث، ومن أبرزها الاعتقاد السائد بأنه من خلال استضافة هذا الحدث سيكون هناك زيادة في الطلب على السياحة المحلية وتجارتها، كما سيجلب إيرادات إضافية وفرص عمل جديدة إلى البلدان المضيفة، ولكن هذه التغيرات لم تكن كافية ليكون لها أي أهمية اقتصادية شاملة، ومع ذلك، فإن عديدًا من الاقتصاديين في السنوات الأخيرة يؤكدون أن النمو الاقتصادي على المدى القصير أمر مشكوك فيه، فالتدفق المفاجئ للجماهير خلال الحدث سيؤدي إلى تحفيز الاستهلاك بشكل خاص في تجارة التجزئة، وإيرادات الإقامة والسياحة والتوظيف المؤقت، ولكن هذه الإيرادات لن تستمر طويلًا على المدى الطويل، لأن هؤلاء المشجعين سيغادرون البلد المضيف بعد انتهاء كأس العالم مباشرة، هذا الأمر دفع عديدًا من الاقتصاديين للانتباه إلى أن هناك تأثير طويل الأمد للحدث على الاقتصاد، فقد عُدّتِ التأثيرات الطويلة الأمد عوامل غير مباشرة أو غير ملموسة نسبيًا، لكنها امتلكت التأثير الأكبر على الاقتصاد، ومن أمثلتها التأثير الإيجابي للملاعب الجديدة على البلد المضيف، والتأثير الجيد على المواطنين، وتأثير الكأس على التصور الدولي للبلد الحاضن للحدث، وقد وُصفت هذه العوامل بأنها التمثيل الأكثر دقة للتأثيرات الحقيقية لكأس العالم (8).

عمومًا يعد كأس العالم 2022 أكبر مشهد عالمي يحشد أعداد هائلة للجمهور، خاصة بعد الحجر الصحي الذي سببه كوفيد-19، إضافة إلى القيود التي وضعت على المشجعين في أولمبياد طوكيو الصيفية والألعاب الشتوية في بكين، التي منعتهم حضورَ هذه الأحداث والاستمتاع بمشاهدتها، فكيف سيكون أثر إقامة هذا الحدث في قطر… شاركنا رأيك؟

المصادر:

1. Lisi CA. A History of the World Cup: 1930-2014. Rowman & Littlefield Publishers; 2015. p.532. Available from: هنا

2. Communications Regulatory Authority in Qatar. More than 3.5 Billion Viewers Expected to Tune in to a Unique Broadcast Coverage of World Cup Tournament. [Internet]. Qatar E-Government. 2022 [cited 2022 Nov 20]. Available from: هنا

3. Plumley D, Wilson R. Finance of the FIFA World Cup. In: Chadwick S, Widdop P, Anagnostopoulos C, Parnell D, editors. The Business of the FIFA World Cup. Routledge - Taylor & Francis; 2022. pp. 119-133. Available from: هنا

4. FIFA Stadium Guidelines. FIFA; 2022. Available from: هنا

5. Tahmasseby S, Reddipalayam Palaniappan Subramanian P. Traffic Impact Assessment for the Stadiums Hosting FIFA 2022 World Cup in Qatar: A Case Study. Iranian Journal of Science and Technology, Transactions of Civil Engineering. 2022 Aug;46(4):3499-510.Available from:  هنا

6. The World Bank - Qatar. [Internet]. The World Bank; 2022. p. 2. Available from: هنا

7. Theodoropoulou I. What is Distinctively Qatari about the World Cup 2022? An Expat Perspective. [Internet].  Georgetown University Qatar. 2022  [cited 2022 Nov 10]. Available from: 

هنا

8. Maennig W. One year later: A re-appraisal of the economics of the 2006 soccer World Cup (June 2007). Hamburg Contemporary Economic Discussions. 2007;10. Available from: هنا